المصدر : الوطن أون لاين
تركي الدخيل
كثير من عملوا في السعودية ممن نعتبرهم مجرد “عُمّال”، لكنهم وصلوا إلى مناصب عليا في بلدانهم الأصلية؛ وقد كتبتُ من قبل عن الذي أصبح وزيرا، ولم يكن معظمنا ينظر له يوم كان يعمل بيننا، على أنه أكثر من (رفيق)،
كثير من عملوا في السعودية ممن نعتبرهم مجرد “عُمّال”، لكنهم وصلوا إلى مناصب عليا في بلدانهم الأصلية؛ وقد كتبتُ من قبل عن الذي أصبح وزيرا، ولم يكن معظمنا ينظر له يوم كان يعمل بيننا، على أنه أكثر من (رفيق)، بل إن أحدهم صار رئيساً لمجلس الوزراء. والعمال الذين تحتضنهم “الدكاكين” ليسوا نكرات على النحو الذي نعتقد، بل بعضهم يكون لديه واسطة تهزّ الجبال الشامخات. قرأتُ من الطرائف في كتاب الصديق المميز أحمد عدنان، عن محمد سعيد طيب بعنوان: “السجين32 – أحلام محمد سعيد طيب وهزائمه” قصةً جميلةً، بل وإنسانية أيضاً، أحببتُ أن أشرككم بها، وهي قصة رواها محمد سعيد طيب في حوارٍ ضمن الكتاب، وهي قصة طريفة وبالغة الدلالة وفيها الكثير من الأبعاد الإنسانية الجميلة. يقول أبو الشيماء:”ذات يومٍ تلقيتُ اتصالاً عاجلاً من أحد المسؤولين في المراسم الملكية، يحيطني علماً بأن الرئيس الباكستاني آنذاك محمد ضياء الحق قد توجه فعلاً إلى سوق جدة الدولي لزيارة “مكتبة تهامة” هناك قلت للمسؤول: إنها مفاجأة سارة سأتوجه فوراً لأكون في شرف استقباله وتعجبتُ لأن الرئيس اختار ذلك الفرع تحديداً فقال المسؤول: لا أعرف السبب بالضبط، إن الرئيس قرر زيارة تلك المكتبة قبل لحظات، وارتأينا أنه من المناسب إحاطة رئيس “تهامة بذلك” عندما وصلتُ إلى مكتبة تهامة بالسوق، وجدتُ أن الرئيس قد غادر قبيل دقائق قليلة، واكتشفتُ أن سبب الزيارة هو أن “فرّاش” المكتبة كان قريباً للرئيس، وأن فخامته ارتأى مجاملته شخصياً بتلك الزيارة لعلها تكون سبباً لترقيته”. يضيف في بقية إجابته أن ذلك الفراش كان حاملاً للماجستير، وأنه كان قريباً للرئيس! قلتُ: وما أجمل تواضع الرئيس الباكستاني الراحل الذي زار قريبه رغم تواضع وظيفته. هذا التواضع النادر يجبرك عل احترام الرئيس، وعلى تقبل ذلك الفراش لوظيفته تلك. الموقف رغم طرافته العالية إلا أنه يحمل دلالاتٍ إنسانية كثيرة. يقول أبو الشيماء إن الفراش هو من اختار تلك الوظيفة من دون- حتى – أن يبرز مؤهله، ويحكي ساخراً: “وظيفة الفراشة لا تحتاج إلى مؤهل” وهو يجيب المستشار محمد عمر العامودي! قال أبو عبدالله غفر الله له: لا تستخفوا بالعمالة الذين يسيرون في بيوتكم، ربما أنقذهم الزمان ووصلوا إلى سدة حكمٍ في بلدانهم، ربما وجدتموهم وزراء يزورونكم، فلا يحقرنّ إنسانٌ إنساناً، ليس لأنه قد يكون في منصب مهم في المستقبل، بل لأن الإنسانية بحد ذاتها تستحق الاهتمام والإجلال والإكبار، وأجزم لو أن أبا الشيماء عرف بمؤهل ذلك الباكستاني الفراش لوضعه في وظيفةٍ أكثر تماهياً مع مؤهله الرائع …. الشكر لكل العمالة النبلاء الذين تحتضنهم بلادي!