السجين 32 …. هكذا عاش ! . الأستاذة هالة القحطاني

المصدر : جريدة كل الوطن

الأستاذة / هاله القحطاني
كتاب تاريخي  يوثق الحركه السياسيه في المملكه فترة الستينات, و قبل زمن ما بعد الحادي عشر من سبتمبر بصوره جديده وموضوعيه, حيث كانت تلك الفتره للكثير منا فتره مجهوله ومنسيه من عمر البلاد , يمر فيها الشاب المكي البسيط (محمد الطيب) الذي ترعرع في عهد القائد العربي جمال عبد الناصر,حيث كان ومازال لدي جيل كامل رمز للبطوله , ليشترك معه في النضال الفكري والسياسي للمناداة بالاصلاح الذي تجدد في ازمنه متفرقه من الزمن, ليعاصر خمسة ملوك ويعيش شاهد علي خمسة عصور متفرقه كان التغيير يمر فيها بشكل بطيئ جدا , وجاءت نشأته في اعقاب الحرب العالميه الثانيه, ليشارك في تأسيس جامعة الملك عبدالعزيز , ويساهم في تأسيس تهامه للأعلان, فيشد ذلك انتباهك لنوعية شخصيته التي جُبلت علي التأسيس بطبيعتها .

 

جسد محمد سعيد طيب كسياسي ومثقف حاله فريده من نوعها, من النشاط الاصلاحي من اجل التطوير حيث كان يرفض وبشده ان يُصنف لأي تيار او حزب, ويكتفي بأنه مواطن بسيط قومي يعشق بلده ويعمل من اجل عمليات الاصلاح.

من يقرأ الكتاب سيشعر علي الفور كيف لعبت تهامه دور مهم في حياته حين صقلت تلك الثوره المعرفيه التي تفجرت في حياة الطيب, وكيف كان لها عامل كبير في تكوين شخصيته وثقافته,  مثلها مثل ذلك الدور الكبير الذي لعبه جمال عبدالناصر في مفهوم النضال الوطني, وتأثير ذلك في بناء منظومة المباديئ والأحلام ليصبح جزء لا يتجزأ من شخصية  الطيب.

أجاد احمد عدنان بحرفيه رائعه جداً اخراج بعض ما في نفس الموسوعه التاريخيه (محمد سعيد طيب), وساندتلك الاحداث بعدد لا يستهان به من الهوامش المهمه و التي لا تقل عن قيمة ما كُتب من احداث,  تميزت تلك الهوامش بنقل بعض الصور التفصيليه للمحطات التي مر بها الطيب في تاريخ محدد من الزمن.

والجميل بأنه استطاع ان يغطي علي شكل مقابلات جري سردها بينه وبين الطيب اهم ملامح تلك الفتره الزمنيه من التاريخ ليوثقه لنا في كتاب يصف وضع التعاطي السياسي وأثره في الشأن الثقافي ذلك الوقت.

ومن اجمل ما قام به الصحفي الذكي احمد عدنان, صياغته للأحداث واستعراضه بدقه لفصول من حياة محمد سعيد طيّب ونقل فلسفته بطريقه مشوقه, وأثر قامات فكريه من رواد الجيل الاول  في حياته ,ولان الماضي ما هو الا امتداد للحاضر , تجد نفسك تربط لا اراديا كل اسم من الاسماء العديده التي ُذكرت في الكتاب بأسم حديث من هذا الجيل فمثلا, حين ذكر اسم الكاتب والناشر احمد عبيد ربطه بالحاضر من خلال اسم د.ثريا عبيد , فتجد كثير من الاسماء التي ذكرها صنعت جيل جديد له دور كبير في الحركه الحضاريه في البلد في وقتنا الحالي.

ليس الطيب وحده كان يحلم بحرية النشر في الصحافه السعوديه , فمن ذلك الوقت لم يتحقق حلمه المتواضع الا قيد انمله حين ارتفع سقف حرية الصحافه في عهد عبدالله بن عبدالعزيز, ولكن في منظوري الشخصي  بعد الاحداث الاخيره من ثورات الشعوب ,هبطت الحريه المتاحه للتعبير بشكل عام ومؤلم في عصر يحفل بالتكنولوجيا ويعج بالمثقفين.

ينقل الكتاب ايضاً الجانب العاطفي في شخصية الطيب , وعلاقته بزملاءه منذ الطفوله وكيف اثر ذلك في نفسه بعد وفاتهم, وفيه وصف لعلاقة الطيب وولعه بسور الازبكيه التي كان يشتري منها الكتب في بداية سفره وهو فتيً, حيث ادرك بأن المعرفه والثقافه قوة في حد ذاتها, لذلك كان من الصعب ان تُملي عليه ما تريده دون ان تقنعه اولا ,لأنه لا يتبني قناعه ليس لها اساس, قبل ان يبني ويصمم لها هدف ويضع لها عدة نقاط تمر بها قبل ان يطلقها في بيان او مقاله او حتي رأي, فتحت له ثقافته الشديده قوة وطاقه تنويريه من اجل خدمة المجتمع بشكل ملح مما ازعج المسؤلين في الدوله ذلك الوقت , كانت افكاره تسبق الزمن الذي عاش فيه , لانه كان زمن الممنوع لكل شيء.. واي شيء حتي الكتاب !!!

من بين الايام الصعبه والمواقف المؤلمه التي مر بها, لابد ان تشعر كقاريئ بشيئ من التعاطف بين السجين 32 وبين عدد من المسؤلين والامراء الذين مازالوا يكنوا له مشاعرا متضاربة المعني وصعب ان تُشرح هنا ولكن هو وهم فقط يفهمون ما هيتها!!

في ذلك الوقت من تاريخ المملكه كان الطيب بمثابة المجاهر بالمعصيه,  لانه جاهر بالحقيقه في زمن كان يعد التصريح بها جريمه يعاقب عليها القانون .

وبطريقه سلسله وانت تقرأ تتعرف بالدور الكبير الذي قامت به السيده ام الشيماء ( د. فائقه بدر) في فترات هزائم محمد سعيد طيب – لم يذكر الكتاب الكثير من التفاصيل, بقدر ما تم شرحه في الهوامش العديده التي امتلأت بها جوانبه, واكثر ما تستشعره بين السطور حقيقة العلاقه المتينه بين الطيب وزوجته مع انه لم يوضح بشكل مباشر ,الا ان جميع اشاراته عنها في كلامه , يبين مقدار المحبه والعاطفه التي يحملها لها في داخله ولا اعتقد بأننا سنقرأ تفاصيل عن تلك العلاقه الا في مذكراته” احتمال”, ومن المهم ان نذكر ان الاستقرار والراحه التي منحتهما ام الشيماء هو ما أراح الطيب في فترات سجنه وبُعده عن المنزل والابناء, وفي سطور اخري تري الطيب الاب الذي يعشق ابنته البكر ” الشيماء” لدرجة رفضه ان يُكني بأسم جديد مع العلم بأنه احبه طوال عمره وهو ” ابو عبد الناصر”وهذا دليل اخر علي معني بأنه رجل صاحب مبدأ وكونه انجب صبياً هذا لا يعني ان يُكني بأسمه, لأن ابو الشيماء هي كنيته الاساسيه ولن يقبل ان يكني بغيرها!!

علي الرغم من سنوات العُزله التي عاشها , الا انها ساهمت في صُنع اصرار علي إكمال المسيره لأنه لا يعرف سوي أن يكون ذلك القومي الذي يحب بلده, وكان وما زال يعمل من اجل مصلحتها ولكن فوق السرعه المسموح بها.  علي الرغم من خيبات الامل والهزائم العديده التي لحقت به الا انه عاش ليري ذلك اليوم الذي تحققت فيه احد احلامه حين قاد عبد الله بن عبد العزيز بنفسه عملية الاصلاح في المملكه,

محمد سعيد طيب هكذا حيا , وكذلك اصبح جزء من تاريخ الاصلاح في الدوله.

HalaQahtani@gmail.com