مثقفون وأمير – مقدمة الطبعة الثانية

مقدمة الطبعة الثانية

المصدر : جريدة الأخبار اللبنانية – 28 / 8/ 2010

عبدالعزيز الخضر

هناك منعطفات تاريخية يبدأ معها الرأي العام بالتحول والشعور بأن ما قبل يختلف عن ما بعد. كثير من السعوديين نقلتهم أحداث عام 1990 وتطورات حرب الخليج من وعي إلى آخر, وتأثر بذلك الزلزال جميع التيارات والأطياف الفكرية, وتغير وعي الشارع ونظرته إلى العالم من حوله. ولا زالت آثاره حاضرة في المشهد السعودي بأسئلة سياسية واجتماعية ودينية لم تحسم بعد! ومع أن تطورات تقنية الاتصالات أخذت مساراً ثورياً منذ ذلك الوقت في التواصل الكوني, وشكلت انقلاباً هائلاً في بعض المفاهيم وزحزحت حالات من الجمود في الوضع الثقافي والإجتماعي والحريات والرقابة حيث تعثرت بعض قدرات الرقيب الرسمي في مواجهة متغيرات التقنية, إلا أنه لا يزال هناك حالات تأخر في الحراك المحلي, فالصحافة لا زالت معطلة عن أداء دورها المفترض في أي مجتمع معاصر, ولا زالت الذهنية الدينية والاجتماعية تقاوِم كثيراً من مسائل تلك المرحلة من أجل تجميد الزمن.. ونجحت في تأجيل الكثير منها, ولا زال المثقف السعودي لم يحقق ما هو مأمول منه, وظلت مشكلات التنمية في تزايد, بالرغم من محاولات الدولة المستمرة في الإصلاح والتطوير.

بعد مرور أكثر من عقدين على حرب الخليج, وأحداث الغزو العراقي للكويت, وما حدث بعدها من تحولات إقليمية وعالمية, وتغير موازين القوى في المنطقة, والتي  تزامنت مع نهاية الحرب الباردة, وتأثير هذه التطورات على السعودية دولة ومجتمع, فإنه لا يزال الكثير مما يجب أن يقال من رصد وتحليل وتأمّل لم يدوّن بكل تفاصيله عن تلك المرحلة.
كانت تبدو أهم مشكلات المثقف والإصلاحي السعودي في الماضي عدم تدوينه أفكار ومشاعر كل محطة تاريخية ومتطلباتها لتقرأها أجيال أخرى فيطلعوا على سياق كل أزمة مرت في المجتمع والدولة, وليدرك الجيل التالي مدى التقدم والتغيير الذي يحدث, وهل لا زال المجتمع عند متطلبات قيلت منذ عقود..!؟ في بيئة ظلت  الصحافة مغيّبة عن مناقشة الأفكار والقضايا الإصلاحية على مستوى الرؤية السياسية والاجتماعية مقابل الإغراق في التفاصيل الإدارية التنفيذية اليومية.
إن المثقف في أي مجال عندما يدون أفكاره وآراءه الإصلاحية بأي طريقة عبر مقالة أو رواية أو كتاب أو ومذكرات, فيرصد هموم اللحظات الحرجة التي واجهها المجتمع فإنه بذلك يقدم خدمة كبيرة للوطن في خلق وعي متراكم لتطوير خبرات الفرد والمسؤول في المجتمع عندما تكون هذه الكتابات بلغة عقلانية ورؤية مسؤولة بعيدة عن الصراخ السلبي والشتائم.
كتاب “مثقفون وأمير..”  للناشط الإصلاحي المستشار محمد سعيد طيب تبدو أهميته أنه عينة تاريخية نادرة عن الحالة السعودية لتكوين رؤية حول أهمية تدوين الأفكار ونشرها في حينها باي طريقة عن مسائل وقضايا لا تتحمل الصحافة المحلية عرضها في أجواء تلك المرحلة. وعندما تعيد قراءة هذا الكتاب بعد عقدين من صدوره ستفاجأ بمضمون الأفكار والقضايا المطروحة, فلازالت كثير من هموم وسجالات تلك المرحلة الاجتماعية والدينية والسياسية هي هموم اللحظة التي نعيشها وانتقل بعضها إلى خطاب الصحافة والإنترنت والفضائيات..!؟
وهي دلالة إما على رؤية مستقبلية متقدمة عند الكاتب المشغول بقضايا الإصلاح منذ مراحل مبكرة من حياته, أو مؤشر على حراكنا البطئ جداً في مواجهة تحديات كل مرحلة. من المهم أن يستحضر القارئ اللحظة والتاريخ الذي كتبت فيه هذه الأفكار وأن يقارن ذلك بأفكار وهموم اليوم!
لقد نجح المؤلف في تكثيف هموم تلك اللحظة التاريخية والتعبير عن الرؤية الإصلاحية والنقدية التي يحملها.. ولم يتعرف عليها المجتمع بصورة كافية في تلك المرحلة, حيث لا يعرض الإعلام مثل هذه الرؤى ولا تنشر مثل هذه السطور في الصحافة إلا بلغة رمزية غامضة, ومع أن بعض مضامين هذا الكتاب كانت أعدت للنشر فيما يبدو في الصحافة المحلية وهو مالم يحدث لحسن الحظ! لأنه لن يتاح ذلك إلا بتشويه مضمونها لتناسب مستوى الرقابة في ذلك الوقت, وستفقد بذلك قيمتها الحقيقية في تدوين انطباعات تلك المرحلة. وتتجاوز أهمية هذا الكتاب مجرد اطلاع القارئ على أسئلة تلك المرحلة.. إلى كشف طريقة تفكير جيل من المشتغلين بالإصلاح والشأن العام, وتفاصيل رؤيتهم للإصلاح ومدى إعتدالها وثوريتها.
الكتاب من أوله إلى آخره ظهر بلغة صحفية جذابة, وحوارات سهلة بعيدة عن التكلف تقربك من أجواء تلك الجلسة التي يختلط فيها خيال الكاتب بالواقع. لقد قدّر للإصلاحي الأستاذ محمد سعيد طيب أن يشهد تحولات ويعايش متغيرات عالمية كبرى أثرت على طبيعة الصراعات في المنطقة, ومرحلة بدأنا نودع معها عالم قديم بتوازناته الدولية ومدارسه الفكرية إلى مرحلة جديدة أصبحت فيها كل دولة أمام تحديات وأزمات خاصة.
لقد كانت سطور مقدمة المؤلف تشير إلى هذه المشاعر العميقة بتغير العالم من حوله: “.. فقد تغير العالم – مرّات ومرّات – منذ فجر البشرية.. وفي القرن الأخير كان حجم التغيرات أكبر مما شهدته البشرية آلاف السنين.. وقبل أن يطوي القرن الحالي ملفاته ويحمل أوراقه حدث ما يشبه الزلزال.. وبدأ ينطوي العالم القديم مفسحاً الطريق إلى عالم جديد ونظام دولي جديد مختلف…”.
“مثقفون وأمير..” عنوان لافت صيغ بلغة صحفية ماهرة تذكرك بعناوين كتب كبار الصحافيين, وهو عنوان لا يخلو من  حساسية في ذلك الوقت, لأنه قد يوحي بمضمون جرئ في مواجهة السياسي، فوجود مفردة “أمير” لم يتعوّد عليها القارئ المحلي في الثقافة والفكر إلا في سياقات وأنماط محددة, وتقاليد يدركها المتابع للخطاب الثقافي والإعلامي السعودي.
جاءت مفردة “أمير” في العنوان الرئيس للكتاب وكأنها تمثل الجانب السياسي.. لكن المؤلف اختار أن يكون السياسي محايداً بين الأطراف المتحاورة, وهو الدور المتوقع لأي سياسي عقلاني, وظهر دوره الأهم في رعاية مثل هذا الحوار وتشجيعه وتقبله بصدر رحب. ربما يفهم من هذا التحييد انه محاولة لتخفيف الإشكال السياسي, والواقع  أنه خيار يعبر عن صورة قريبة من الحقيقة في مثل هذه الملتقيات الفكرية حيث لا يشارك المسؤول الرسمي في تقديم رأيه مباشرة, وهذا لم يمنع  من مشاركته أحياناً في سجال الكتاب عبر إجابات موجزة تصوّر طبيعة الإدارة السياسية لمثل هذه القضايا التي تناولتها الجلسة المتخيلة.
في أحد حوارات المؤلف قبل سنوات حول الكتاب أشار إلى أنه “كانت لدي مجموعة من الطروحات التي أحببت مناقشتها وطرحها مع القارئ, لكنها كانت تحتاج إلى ما يناهز الثلاثين مقالاً, فآثرت أن أنحو بها منحى أخر, أتخيّل عدداً من المثقفين في مجلس أحد الأمراء, وهو أمير متفتح الذهن وواسع الصدر, فيعطيهم حرية الكلام, ويبدأ المثقفون في مناقشة بعضهم البعض في حضور هذا الأمير, وبمشاركته – اذا لزم الأمر – ومن خلال هذا الحوار الذي يستمر كما تخيلته من أول الليل إلى أذان الصبح.. تتم مناقشة الكثير من قضايا الوطن والمجتمع. بمعنى آخر, أردت استعراض وجهات نظر مختلفة, لشرائح مختلفة تمثل أكثر من تيار واحد!”.
قد يبدو خيار تحييد السياسي تجاوزاً لحساسية متوقعة في تلك المرحلة.. لكنه أيضاً يعبر عن ذكاء الكاتب هنا, فرؤية السياسي للأمور وتوقيتها ستختلف دائماً عن رؤية الناشطين في بعض المجالات, وفقاً لظروف كل مرحلة, مقابل توسّع المؤلف في عرض آراء مختلف التوجهات في المجتمع والتي عبر عنها كل فرد من الحضور بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وحول شخصيات الحوار كانت شخصية “أبو أحمد” هي الأكثر حيوية وصراحة في التعبير عن آراءها والنقد للأوضاع المصحوب بسخرية لاذعة في كثير من الأحيان, وعرض تشبيهات كاريكاتورية مشبعة بالنقد للواقع. وقد كانت النخب المثقفة أولى الفئات التي طالها النقد الشديد والساخر, وأشار إلى مبدأ “الدهان” والتلميع للواقع الذي تبنته فئة منتفعة من الأوضاع.
مَثل شخصية الرجل المتديّن والفئة المحافظة “الشيخ خلف” ومما يسجل للمؤلف هنا أنه لم يبالغ في تشويه وجهات النظر الأخرى المختلفة مع شخصية “أبو أحمد” الساخرة, فقد حاول تمثيل آرائها بقدر من الموضوعية لكنها لم تصل لحُجيّة ومنطقيّة آراء “أبو أحمد” لأن ذلك سيؤثر على الرسالة التي يريد إيصالها من هذا الحوار الساخن!. كان الحوار في الجلسة الطويلة التي امتدت إلى الفجر عفوياً, ودون ترتيب جامد للقضايا, فالمحاور والموضوعات تأتي بسهولة وانسيابية دون تكلف, مما أعطى الحوار حيويّة تجعل القارئ لا يتركه حتى النهاية. وجدت بعض الجوانب الإخراجية الشكلية في الطبعة الأولى كان على الناشر تلافيها ليبدو مضمون الحوار بصورة أفضل.
هناك سؤال متوقع ربما يطرحه البعض, هل كان الحوار بالفعل متخيّلاً أم حقيقياً,  بموضوعاته والقضايا المطروحة, أم هو جزء من الواقع والخيال..!؟ وبغض النظر عن إجابة المؤلف التي أشرت إليها, فمن يرصد مثل هذا الحوارات سيجد أنها فعلاً تعبر عن هموم  مرحلة  بعد أزمة الخليج.
في التعبير عن تلك اللحظة التاريخية كان العنوان في الداخل  “أحاديث ما بعد العاصفة.. حول الشورى والباب المفتوح والمستقبل..” وانطلق الحوار حول حرب الخليج والقصف الجوي والحصار البحري وصواريخ (سكود) و(باتريوت) والعمليات البريّة ومسرح العمليات. وكتهيئة موضوعية  للحوار بدأ في نقد المثقفين الذين “يقولون ما لا يفعلون” والتساؤل عن لماذا يداهن المثقف ويلمع الواقع وهو ليس تحت ضغوطات..!؟
بعدها تحول النقد إلى فئة المشائخ والاهتمامات السائدة في الخطاب الديني, وكيف انشغلوا بأسئلة هامشية.. مقارنة بحركات أصولية في دول العالم العربي التي تهتم بقضايا أكبر.. وهذا النقد يقود الجلسة للحوار حول قضية قيادة المرأة للسيارة.. ومع تأييد شخصية “أبو أحمد” لمطلبهن يطرح  رأيه بحماس وثقة حول المستقبل.. “ما أكون أبو أحمد.. إذا ما ساقوا.. عفواً.. إذا ما سُقْنَ خلال خمس سنوات..”.
وهكذا ينطلق السجال الساخن بانسيابية من موضوع إلى آخر, يناقش قضية عمل المرأة, وأخطاء المتدينين والمثقفين, ومشكلات الفساد والرشوة عند بعض الموظفين.. وأحقية المرأة ببطاقة شخصية, ونقد ساخر لمخرجات التعليم العالي النظري.. وسوء إدارة العمل الخيري المحصور بأفق ضيق.. ثم ينتقل الحوار إلى نقد القطاع الخاص وسلبيته في دعم التنمية ومواجهة البطالة وقضية السعودة.. ثم يتطرق إلى رؤية مستنيرة حول أخطاء علاقتنا بالأجانب التي بدأت تظهر كممارسات اجتماعية.
وفي سياق الحوار تأتي الإشارة إلى  قصة المعركة بين غازي القصيبي ومشائخ الصحوة  في ذلك الوقت.. ولا تخفي شخصية “ابو أحمد ” تعاطفها مع القصيبي بالرغم من عدم انتقادها لسلمان العودة “الشيخ العودة مثلاً.. والدكتور القصيبي كلاهما على مستوى.. وكلاهما عنده ما يقول..” ولهذا يقترح “أبو ناصر” مناظرة تلفزيونية يتابعها الملايين. وهكذا يستمر السجال إلى قضايا أخرى.. كحرية الصحافة, ومسألة الرقابة, وانتقاد الخصوصية، ومشكلات القضاء, ومجلس الشورى.. وغيرها.
لم تخلو لغة الحوار من الإشارات واللمحات الذكية التي تفهم في سياق كل جملة, والتوقف عند أساليب المقاومة والمبررات التي تقف في وجه الإصلاحات التي ينشدها, ومنها مسألة التوقيت حيث يطالب “ابو أحمد” بسخرية بحل شركة “ما هو وقته” وأنها يجب أن تصفى، “كل ما قلنا شئ.. قالو: ما هو وقته..” وشركة أخرى باسم “من أنت.. وإيش تكون”.
كانت بعض القضايا التي طرحت ذات حساسية رقابية شديدة في حينها, واليوم نعايش الكثير من المتغيرات في مجتمعنا, فبدأت الصحافة ومنتديات الانترنت والبرامج الفضائية تستهلك الكثير من هذه الأفكار والملفات في العقد الأخير حتى تحول بعضها إلى مظلة الحوار الوطني. لقد زالت  حساسية المضمون رقابياً إلى درجة يمكن نشر محتويات هذه السجال في أي جريدة محلية, ليس لأن الصحافة تطورت أو لأن الأسئلة المطروحة أجيب عنها, ولكن لأن حجم التحديات والأسئلة تضخمت في تطورنا الحضاري ومتغيرات العالم من حولنا, فاصبحت بعض هذه القضايا أقل حساسية وتعايش الجمهور مع مثل هذه الإشكاليات بالرفض أو القبول.
كتاب “مثقفون وأمير..” كان ينقصه في الماضي أن يعلن المؤلف عن اسمه صراحة في الغلاف, فحتى لو عرف القارئ من مصادر أخرى من هو صاحب هذا الكتاب فتسظل سلبية غياب هوية المؤلف مؤثرة على جمهور عريض, لأن الأفكار والرؤى لا قيمة لها من دون هوية كاتبها وتحمله مسؤليتها في الحاضر والمستقبل.
المؤلف برر اخفاء اسمه على ظهر غلاف الطبعة الأولى بقوله: “إن المبرر الوحيد لتغيير الاسم.. هو الرغبة الصادقة في تلافي أي تصور واهم.. بأن الهدف من الكتاب كان الرغبة في الظهور.. أو استعراض العضلات أمام المجتمع.. أو أمام أي جهة أخرى.. لا سمح الله!” وهو تبرير يمكن فهمه كتواضع محترم من الكاتب, لكن أهمية إخفاء الاسم تبدو أحياناً في جوانب أخرى أبرزها الإشكال السياسي, وإذا كان هناك إيجابية تغري للكتابة باسم مستعار فإنها تحييد الموقف المسبق من الشخصية, فيتم قراءة الأفكار المطروحة دون  شخصنة, لأن البعض يهتم بالقائل أكثر من المضمون.
وحول هذا الموضوع كان الكاتب الصحفي الكبير محمود السعدني كتب مقالاً شهيراً عن الكتاب, وأشاد بقيمته في أوائل التسعينيات الماضية: “مثقفون وأمير كتاب مفيد بالفعل, ولكن الذي أحاول فهمه الآن.. هو السبب الذي جعل مثل هذا الكتاب بلا صاحب لأن العبد لله فوجئ على ظهر الغلاف بأن اسم المؤلف مستعار, وأن المؤلف آثر الإختفاء.. لماذا آثر الإختفاء؟ مع أنه لم يطلق النار على أحد, ولم يسبب أذى لأي انسان؟ ولكنه حاول أن يشعل شمعة وسط الظلام!!” (صوت الكويت, 16 / 6 / 1992).  مع هذه الطبعة سينتهي هذا السؤال حول لماذا آثر المؤلف الإختفاء.
لقد اصبحت شخصية الأستاذ محمد سعيد طيب مألوفة في حضورها الإعلامي منذ بدايات ما سمي بربيع الإصلاح في السعودية ومن رموزها كداعية إصلاح مدني, وعرف بثلوثيته كأحد الصالونات الشهيرة في جدة عروس البحر الأحمر. وتبدو تجربته في شركة “تهامة” علامة فارقة عبر حوالي ربع قرن في المشهد الثقافي المحلي, وخدمة الفكر عبر نشر الكتاب السعودي في مشروع طموح أسهم في حدوث تواصل أجيال من المثقفين مع الرواد من مختلف مناطق المملكة, وقد نشرت في مرحلة كانت الدولة ورشة عمل في تأسيس بنية تحتية لمساحة كبيرة من المدن والقرى في مختلف المناطق, فتعرّف القارئ على إنتاج أعداد كبيرة من النخب الوطنية منذ بدايات التأسيس ورؤيتهم الثقافية والاجتماعية حيث تم نشر أغلب الإنتاج الأدبي الرائد في الحجاز كحمزة شحاتة, ومحمد علي مغربي, وطاهر زمخشري, وأحمد السباعي, ومحمد حسن عواد, وأمين مدني, وأحمد قنديل, ومحمد عمر توفيق, وعزيز ضياء, وأحمد محمد جمال, وغازي القصيبي وأبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري وغيرهم, وقد تم نشر ما يقرب من خمسمائة عنوان توزعت بين كتب للأطفال وللناشئين ولكبار الأدباء والكتاب وأسهمت أيضاً في نشر الكتاب الجامعي.
وإذا تجاوزنا تجربة المؤلف في مرحلة الستينيات وظروفها السياسية وثقافة شباب ذلك العصر التي لا تخلو من بعد ثوري عند أبناء ذلك الجيل وأشار إلى ذلك في عدد من حواراته ولقاءاته, فالواقع أننا أصبحنا أمام تجربة مدنية داخلية وخطاب إصلاحي تشكل مع مرور الوقت فأصبح أكثر عقلانية في رؤيته للأمور. وللبعض أن يختلف مع هذه الدعوات في رؤيتها النقدية وتوقيتها وكثير من تفاصيل خطابها, لكن من المهم أن يوجد وعي عام بأهمية النقد الداخلي عندما يأتي بروح إصلاحية معتدلة.
في العقد الأول ومنذ بداية هذه الألفية الجديدة وتطورات ما بعد 11 سبتمبر أصبح المواطن والقارئ العادي متاحاً له الاطلاع على الكثير من رؤى وأطروحات المشتغلين في الإصلاح المدني من المثقفين والدعاة من مختلف الاتجاهات عبر الفضائيات والمنتديات والصالونات والانترنت, وأصبح الكثير منهم نجوماً ووجوهاً مألوفة لدى المشاهد العادي لكثرة ظهورهم, وأصبحت القضايا المطروحة جزءاً من أحاديث الشارع. في مراحل سابقة كانت مثل هذه القضايا مجرد هموم نخبوية يتهامسون فيها خلال التواصل الشخصي.
كنت آمل أن تطول سطور هذه المقدمة التي شرفني بها أستاذ جيل ورمز إصلاح وطني لمناقشة محتويات هذا الكتاب الجدير بالاطلاع لولا الخشية في أن تفسد هذه السطور على القارئ متعة قرءاته, فقد تناول الحوار الكثير من القضايا الوطنية التي تستحق الجدل والاختلاف، ليس المهم أن يوافق البعض على ما جاء فيها أو على طريقة تناول المؤلف لهذه الموضوعات الساخنة في المشهد الفكري السعودي, وإنما الإيمان بأهمية تعبير النخب المثقفة والمشتغلين بالإصلاح والكتاب عن رأيها وتدوينه بأي طريقة, فلا زال مجتمعنا بحاجة إلى كل صفحة أومقالة أو رواية تحكى.. لرصد تطورات المجتمع السعودي في كل مجال بقدر من الشفافية والمصارحة والتقدير للأخر كما جسّده هنا قلم الأستاذ  محمد سعيد طيب في هذا الحوار والجدل المحترم في جلسة “مثقفون وأمير..”.