المصدر : جريدة الحياة
زياد بن عبدالله الدريس *
في عام 1980 وقعت جريمة احتلال الحرم المكي الشريف.
وفي عام 1990 وقعت جريمة احتلال الكويت.
وقد بقيت أعراض تلك الحادثتين تموج بالمنطقة العربية عموماً، وبالخليج خصوصاً، حتى اليوم.
ونظراً لزخم الأعراض والأمراض التي تزامنت أو تلت الحادثتين الكبيرتين، صح ّ لنا أن نسمي كلاً منهما بالحقبة وليس بالعام 80 أو العام 90.
لم يُكتب عن الحادثة الأولى بما فيه الكفاية من معلومات وتحليلات ويوميات تصف الحدث وتؤرخه لمن لم يعشه، وما زلنا نتمنى ذلك.
أسوق هذا التمني، ونحن موعودون بظهور كتب تتناول أحداث العام 1990، وهي، بالنسبة إلى الإنسان السعودي خصوصاً، كانت أكثر من مجرد احتلال دولة شقيقة، إذ تضافر مجيء القوات الأجنبية من أجل حرب التحرير في «فتق» جدل أو جدالات دينية وسياسية واجتماعية سعودية .. ما زالت ملفات النقاش حول بعضها مفتوحة حتى اليوم!
«المركز الثقافي العربي»، بمهارة الحس الثقافي لناشره حسن ياغي، هو الذي نبش أخيرا أوراق تلك الحقبة وأخرج منها كتاباً مثيراً للمثقف المخضرم محمد سعيد طيب، عنوانه «مثقفون وأمير»، يكفي لإسالة لعاب زوار معرض الكتاب.
وفي جلسة ثلاثية خاصة لنا مع صديق مشترك، أعلن ياغي أنه تواصلاً مع مشروعه هذا ما زال يجري محاولاته مع الكاتب السعودي سعد الدوسري لإخراج روايته «الرياض 1990»، رغم تردد الدوسري في ذلك حتى الآن.
الكتابان كُتبا أثناء سخونة الأحداث قبل 20 عاماً. الأول نشره محمد سعيد طيب آنذاك تحت اسم مستعار وبتوزيع محدود، أما الآن فينشره باسمه اللامع ولدى ناشر عربي كبير، منسجماً مع التحولات الجديدة التي تتيح ذلك.
أما الثاني فرواية أخاذة، كتبها القاص سعد الدوسري آنذاك، ولم ينشرها بل وضع منها تصاوير عدة وزعها بصفة شخصية، وكان حظي أن كنت ممن أعطاهم نسخة للإطلاع، فأدهشتني بقوة سبكها وحبكها وما زال مذاقها في فمي حتى الآن .. رغم تغايري معها أيديولوجياً، آنذاك خصوصاً! .. لكن الدوسري امتنع عن نشرها رسمياً منذ ذلك الحين. ولو أن رواية «الرياض 1990» نشرت في حينه، أي قبل أن ينفجر بركان الرواية السعودية بحممه المشتعلة ودخانه المتطاير، وحتى قبل «شقة» غازي القصيبي وثلاثية تركي الحمد وما تلاهما، لأمكن للنقاد الآن أن يقولوا أن الروائيين السعوديين خرجوا من معطف الدوسري، على غرار مقولة: خروج الروائيين الروس من معطف غوغول!
ولو قُدّر لجهود الناشر أن تنجح في إقناع الدوسري بنشر الرواية الآن فلن تحظى بنفس الوهج الذي كانت ستلقاه آنذاك، بسبب ازدحام السماء بدخان الرواية الآن، الغث والسمين. لكنها رغم ذلك ستحظى بمكانة خاصة، فوق تميزها الفني، تكتسبه من الجوع الشديد لدى المتلقين لقراءة أحداث عام 1990 في كتابين: بقلم فنان (دوسري) وجرّاح (طيّب).
2
يشرّح، وإن شئت قل: يشرشح محمد سعيد طيّب في كتابه «مثقفون وأمير» الخطاب السعودي الذي انفتق في أحداث عام 1990، ناثراً كل أو جلّ «عفشه» المركوم في غرف النقاش المغلقة لسنين.
اشتهر الناشر والناشط محمد سعيد طيب بصالونه الثقافي «الثلوثية» الذي ينعقد بمجلسه بجدة. وقد حوّل مهارته وخبرته في إدارة النقاش المتلاطم من منزله إلى كتابه، حيث صاغ كتابه هذا على شكل مجلس يجمع أميراً مع مجموعة مثقفين من مختلف أطياف المجتمع. ويتداول المجتمعون الحوار الهادئ حيناً، والمحتدم أحياناً.. خصوصاً بين «الشيخ» خلف و «المنفلت» أبي أحمد، في مختلف القضايا التي كان مسكوتاً عنها قبل 1990، ثم انفرطت الواحدة تلو الأخرى، كأنها قاذفات B52 التي جاءت مع القوات الأجنبية!
المتحدثون في صالون محمد سعيد طيّب، الورقي هذه المرة، لا يوفرون شأناً من شؤون المجتمع المدني السعودي، في الشورى وحرية الإعلام والمرأة والباب المفتوح والمقاولين والبنية التحتية والمستقبل، من دون نقاش.
يتصاعد أحياناً النقاش إلى «هواش» بقيادة الشخصية الأكثر إثارة ولوذعية في الصالون الورقي (أبو أحمد) الذي ينتزع دفة الكلام بلغته الجداوية الصريحة غالباً و «الحاروّية» أحياناً!
الكتاب ينتقد ويسوط بشكل مركز ومكشوف الفئة النفعية الأكثر إفساداً لأي دولة أو مجتمع، وهم أصحاب المزايدات من ذوي المناقصات .. الذين يبتلعون المشاريع بجرعة من ماء المديح. وهؤلاء لا يمقتهم أحد قدر الناس الذين ليسوا من أهل المزايدات والمناقصات!
الأمير، كعادته، يعلق تعليقات مقتضبة ومحايدة، حتى إذا جاءت نهاية الكتاب / الصالون استطرد في تعليقاته توضيحاً لموقفه من كثير مما أثير في نقاشات المثقفين، ثم ختم الصالون بقوله، خاتمة الكتاب،: «إن الحوار موصول .. يا إخوان!».
3
لدارسي المجتمع السعودي سوسيولوجياً، وأسلوبه في تعاطي قضاياه ومعالجة مشكلاته، أن يجدوا أن بعض النقاشات التي هيمنت على مجالس السعوديين في عاصفة العام 1990، وأشار إليها كتاب «مثقفون وأمير» قبل عشرين عاماً، ما زالت حتى الآن تحت النقاش .. البعض منها يستحق بالفعل أن يناقش أكثر حتى من عشرين عاماً والبعض الآخر لا يستحق النقاش أصلاً، فكيف يستحق أن يناقش عشرين عاماً!
* كاتب سعودي