حمد الناصر الحمدان – محمد سعيد طيب و القامات التي أعطت بسخاء!

المصدر : موقع منبر الحوار و الإبداع

يقال : “أن التاريخ يكتبه المنتصر بالطريقة التي يرغبها ” غير أن الواقع يشير إلى أمر آخر  . فالتاريخ يصعب تزويره إلى الأبد . فلا يصح إلا الصحيح . والمهم في هذا الجانب تجاوز الإشكالية المركزية  المُعبر عنها بغياب التدوين العملي لكل التجارب الوطنية السابقة في هذا البلد ،  التي تكاد أن تندثر وتذهب مدفونة بصدور أصحابها ، قبل غرفها من مصادرها

( كلمة  قدمت في الليلة الإحتفائية بالأستاذ محمد
سعيد طيب في ديوانية الملتقى الثقافي بالقطيف)
محمد سعيد طيب و القامات التي أعطت بسخاء!

يقال : “أن التاريخ يكتبه المنتصر بالطريقة التي يرغبها ” غير أن الواقع يشير إلى أمر آخر  . فالتاريخ يصعب تزويره إلى الأبد . فلا يصح إلا الصحيح . والمهم في هذا الجانب تجاوز الإشكالية المركزية  المُعبر عنها بغياب التدوين العملي لكل التجارب الوطنية السابقة في هذا البلد ،  التي تكاد أن تندثر وتذهب مدفونة بصدور أصحابها ، قبل غرفها من مصادرها
( كلمة  قدمت في الليلة الإحتفائية بالأستاذ محمدسعيد طيب في ديوانية الملتقى الثقافي بالقطيف)محمد سعيد طيب و القامات التي أعطت بسخاء!

 

 

حمد الناصر الحمدان

أعزائي … أيها الأخوة الكرام :

كم كنت سعيداً عندما أهداني أحد الأصدقاء كتاب ( السجين 32 : أحلام  محمد سعيد طيب وهزائمه ) الذي جمعه الإعلامي الأستاذ أحمد عدنان . ويوازي هذه البهجة فرحة أخرى ، وهي عندما وقعت بيدي نسخة عن المخطوطة الخاصة بمذكرات الفقيد  الوطني ( سيد علي العوامي ) . كما أنني  انتشيت بالنصر على الذات ، عندما قُدم ليٌ مؤخراً كتاب الأستاذ عادل الٌلباد بعنوان ( كتاب الانقلاب بين الوهم على الذات ) .

حتماً قد نتفق أو نختلف كثيراً مع الأطروحات الواردة بهذه المؤلفات . وهذا أمر طبيعي ومشروع . ومن جهة أخرى فقد سبق أن قرأنا وتابعنا  العديد من الكتابات والتحليلات ، هنا وهناك ، عن تجارب ومنهج المعارضة في بلادنا  على اختلاف مرجعياتها منذ بداياتها الأولى . غير أن ما يميز هذه المبادرات الثلاث آنفة الذكر، ويعطيها قيمة موضوعية ، أنها تنفرد بتوصيف واقع التجربة من الداخل وتضيء التجربة الخاصة كطرف فاعل متمازجةً مع التجارب الجمعية ، كونها تنطلق من التفاعل المباشر للكاتب وفق حالة انصهار عام .

يقال : “أن التاريخ يكتبه المنتصر بالطريقة التي يرغبها ” غير أن الواقع يشير إلى أمر آخر  . فالتاريخ يصعب تزويره إلى الأبد ، فلا يصح إلا الصحيح . والمهم في هذا الجانب تجاوز الإشكالية المركزية  المُعبر عنها بغياب التدوين العملي لكل التجارب الوطنية السابقة في هذا البلد ،  التي تكاد أن تندثر وتذهب مدفونة بصدور أصحابها ، قبل غرفها من مصادرها . لذا يبقى المهم التدوين ونبش الجوانب المسكوت عنها في هذه التجارب المتنوعة ، وترك مهمة تقييمها  وتصويب أو تخطئة ما يطرح فيها ، للمتلقي على اختلاف القراءات لها في الحقبات المعاصرة  أو اللاحقة .

قبل عدة سنوات . أيها الأخوة والأخوات .  جرى تداول مقولة خشبية بين المثقفين في بلادنا . مفادها : ” أننا جيلٌ بلا رواد ” . وبقدر ما هي مقولة ساذجة ، يشوبها العقم  ( والطوباوية ) فأنها تعبر عن حالة من الوهن والعبث المتكئ على نزق طفولي . وواضح أن  الهم في هذه المقولة ، هو  البحث عن التطنيب وصدى إيقاع المفردة والجملة بمعزل عن الرصد الموضوعي لسرمدية حركة التاريخ والأبداع . ولو حاولنا نقض  هذه المقولة ، فأن الصائب والصحيح في هذا الشأن ، أننا أجيال نفتقرٌ إلى التدوين والرصد الخاص بواقعنا وتجاربنا ، سواءً كان سلباً أو ايجاباً … وسواءً رضينا عن ذلك أو جزعنا منه . فرصد حركة التاريخ  هو المهم . بغية تحقيق التواصل بين التجارب ومن أجل الابتعاد  عن حالات الانقطاع والانفصام الكبيرين . 

من منكم أيها الأعزاء : يعرف المرحوم عبد الله بن بخيت  ؟ . وهو غير ( الكاتب والروائي المعاصر عبد الله بخيت ) . من منكم أيها الأخوة : يعرف علي العبدلي . المثقف الذي رحل دون أن يأخذ أي شيء مقابل ما قدمه للوطن . وأعتقد أن الكثير منكم يجهل من هو النقابي صالح الزيد الذي عمل بفعالية ضمن اللجنة العمالية في أوائل الخمسينات من القرن الماضي ، والتي بفضل جسارة  ونضال هذه اللجنة  وقيادتها للحركة العمالية الفتية بدراية استطاع عمال أرامكو الأشاوس انتزاع الكثير من حقوقهم من هذه الشركة الأمريكية . وهنا اعتقد أن كل ذلك مرده النقص في تدوين التاريخ! .

التساؤل  في هذا المضمار وعلى هذا الطريق يطول حول الكثير من القامات الوطنية الذين أعطوا بسخاء ولم ينتظروا على قارعة الطريق ليقبضوا الثمن . لقد  ترك العديد منهم  دنيانا ورحلوا ، وبعضهم  الآن في أوضاع صحية سيئة ، ولم يأخذوا حقهم من التكريم اللائق بهم ، لقاء ما قدموه ووهبوه  – وهو كثير – لهذا الوطن ولهذا الشعب .

وبالعودة إلى الأستاذ محمد سعيد طيب فارس هذه الأمسية وصديق الجميع ، صاحب القلب الذي يتسع حتى لخصومه . فأنه بمراجعة تجربته الوطنية وسبر مساراتها . وجدت فيها محطات مهمة ، تشبه الغابة اليانعة الجميلة  بديعة المنظر ، حيث تجعلك حائراً حول أولويات هذه التجارب . انها غنية جديرةٌ بالتقدير والتبصر واستخلاص دروسها والوقوف على خصائصها .

فعدا كون ( هذه الشخصية الوطنية )  تتميز ببصيرة وقادة ، فقد عرف عنه الشجاعة والاستعداد الرجولي للدفاع عن قناعاته … عرفناه صبوراً  يتحمل الأذى في سبيل وطنه وشعبه . بينما الأمل عند الأستاذ محمد سعيد لا يموت في ذاكرته بل يتجدد كالأشجار الباسقة في أرض هذا الوطن . يفتح ذراعيه للجميع ، لا يقطع شعرة معاوية حتى مع من يختلف معه . يجسد مفهوم الرأي والرأي الآخر بصبر أيوب .

أزعم أن هذا النموذج هو المناسب واللائق للمرحلة الحالية ومتطلباتها . نحن بحاجة إلى الفيء الدافئ الجم ، لكي يستظل تحته الجميع ليتقوا حرارة الشمس وبرودة الشتاء القارس .

شكراً مثنى وثلاث ورباع لهذا الأستاذ الجليل . وشكراً موصولاً للملتقى الثقافي . ودمتم أيها الأصدقاء .