“محمد سعيد طيب”: الناصري السعودي يحلم بالديمقراطية

المصدر : شبكة مصدر الإخبارية

احمد عدنان
“محمد سعيد طيب”: الناصري السعودي يحلم بالديمقراطية
الجمعة 10 ديسمبر 2010 – 4 محرم 1432

يوقع – الخميس 9 ديسمبر 2010 – الناشط السياسي محمد سعيد طيب في معرض الكتاب الدولي ببيروت – جناح المركز الثقافي العربي – الطبعة الثانية من كتابه (مثقفون وأمير) الذي أصدره عام 1991 – في القاهرة – باسم مستعار.

محمد سعيد طيب حالة خاصة في المشهد السعودي، لا تستطيع أن تصنفه مفكراً أو كاتباً، يعرّفونه في اللقاءات التلفزيونية بـ “الناشط السياسي”، وهو مصطلح فريد في المشهد السعودي في ظل غياب الحياة السياسية في صيغتها الديمقراطية والتعددية.

ولد محمد سعيد طيب عام 1939 في مكة المكرمة، نشأ يتيماً في أعقاب الحرب العالمية الثانية لتعصره آلام الجوع والحرمان، استولى مستأجر – بإيجار بخس – على ثلاثة أرباع منزل أسرته في مكة، ليعيش (الطيب) ووالدته وشقيقه وشقيقته في “ربع منزل”، يقول (الطيب): “كان منزلنا أقرب لمستوطنات الضفة الغربية”!.

من حسن حظ (الطيب) أنه تلقى تعليمه الأولي في مدرسة الرحمانية في مكة المكرمة، ليشرف على تعليمه أحد رواد التعليم في السعودية (محمد عبدالصمد فِدا). في تلك المرحلة زامل الأديب الراحل عبدالله الجفري، والشاعر الرقيق محمد صالح باخطمة. وتعلموا – جميعا ً – على يد المعلم حسن أشعري الذي شجعهم على القراءة العامة والنقاش الحر، يتذكر (الطيب) يوم حرضهم (أشعري) على قراءة (عودة الروح) لتوفيق الحكيم، ويحفظ أول بيت ألقاه (أشعري) على مسامعهم لميخائيل نعيمة: سقف بيتي حديد.. ركن بيتي حجر.. فاعصفي يا رياح.. وانتحب يا شجر.

لكن محمد سعيد طيب يعترف بأن التأثير الأكبر في شخصيته يعود لمحمد فدا، تلك الشخصية الرائدة التي أتاحت للطيب مقابلة طه حسين عام 1955 وإجراء لقاء صحافي معه نشِر في صحيفة الحائط المدرسية، كما أجرى (الطيب) لقاء صحافياً آخر – لصالح صحيفة المدرسة أيضاً – مع عضو مجلس قيادة الثورة المصرية محمد أنور السادات!.

تأثر محمد سعيد طيب – على غرار شباب جيله – بالثقافة المصرية، كان المفكر الأهم الذي تأثر به هو سلامة موسى رائد الاشتراكية العلمية في مصر، حين عمل محمد سعيد طيب – لاحقاً – في مدرسة “الثغر” في جدة كان يؤنب الطلبة الذين يتقاعسون عن أداء صلاة الظهر، ويهدي الطلبة المقربين منه كتب سلامة موسى!. لعل هذا التناقض الجميل هو التعريف الأفضل لهذه الشخصية الجدلية.

لم يتوقف تأثير مصر على (الطيب) في حدود الثقافة، بل تعداها إلى فضاء السياسة، كانت ثورة يوليو 1952 هي الحدث الأبرز الذي أثر في (الطيب) ومجايليه. كانت خطب الرئيس جمال عبدالناصر بمثابة الحطب الذي يحرض النار على التوهج “إن السلام – أيها الأخوة – يعني أن نعيش عيشة حرة كريمة، نتمتع فيها بحريتنا واستقلالنا، وعزتنا وكرامتنا، نتمتع فيها بأرضنا، نتمتع فيها بحكم أنفسنا بأنفسنا”، ومع أن (الطيب) تجاوز – اليوم – السبعين من عمره، فإنه ما زال يحفظ – عن ظهر قلب – خطاب الوحدة الذي ألقاه عبدالناصر في مجلس الشعب السوري: “لقد قامت دولة كبرى في هذا الشرق، ليست دخيلة فيه ولا غاصبة، ليست عادية عليه ولا مستعدية. دولة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد”.

انهيار الوحدة بين مصر وسوريا عام 1961 دفع محمد سعيد طيب إلى الانخراط في النشاط السياسي داخل السعودية، انضم إلى تنظيم ثوري (الجبهة العربية لتحرير الجزيرة العربية) كما انضم إلى حركة القوميين العرب في بيروت على يد الناشط الكويتي د. أحمد الخطيب والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني. ألقي القبض على (الطيب) عام 1964 ليزامل في السجن صفوة المثقفين السعوديين: عبدالكريم الجهيمان، عابد خزندار، عبدالله الجفري وفهد العريفي. وأطلق سراحهم في ديسمبر 1965 بعد قرار شجاع من القاضي محمد بن جبير الذي أصبح – لاحقاً – وزير العدل ثم رئيس مجلس الشورى.

بعد السجن، عمل (الطيب) في وزارة الحج مديراً لمكتب وزيرها الأديب الرائد محمد عمر توفيق، لكن نكسة 1967 جعلته يعاف الوظيفة، فسافر مبتعثاً إلى الولايات المتحدة، كان وقع النكسة فادحاً، لقد دب الشيب في جسد الشاب محمد سعيد طيب!. في الولايات المتحدة انخرط (الطيب) في اتحاد الطلبة العرب، وساهم في دعم منظمة (فتح) وجمع التبرعات لها إعجاباً بالزعيم ياسر عرفات.

في صيف 1969، عاد محمد سعيد طيب في إجازة سنوية أراد أن يقضيها مع والدته ومكتبته الثرية بالمعرفة، لكن جهاز المباحث اعتقله وألقاه في حبس انفرادي لمدة خمس سنوات ونصف من دون تهمة أو محاكمة!.

خرج محمد سعيد طيب من السجن ليجد والدته مشلولة – بسبب قلقها عليه – وبدا أنه في حاجة إلى راحة طويلة ليلحق بالتطورات التي حصلت في العالم. من حسن حظ (الطيب) أن شقيقته احتفظت بالصحف والمجلات التي غطت وفاة الرئيس عبدالناصر ثم نصر أكتوبر 1973. لقد كان (الطيب) في عزلة تامة!.

عام 1975 ساهم (الطيب) في تأسيس شركة (تهامة) – أول شركة متخصصة في العلاقات العامة والإعلان في السعودية – وتولى إداراتها، نجح الطيب في عمله الجديد، وقاد (تهامة) خلال (1975 – 1998) لتصبح أكبر شركة إعلان في الشرق الأوسط، هي الشركة التي وقعت عقداً مع صحيفة (الشرق الأوسط) وشقيقاتها – في مطلع الثمانينيات الميلادية – قيمته ثلث مليار دولار!.

يبدو أن نشاط الدعاية والإعلان لم يناسب (الطيب) كثيراً، فأدخل في (تهامة) نشاط النشر، واستطاعت (تهامة) أن تحقق أول مشروع ثقافي ضخم في السعودية، تجلى في نشر وتوثيق أدب الرواد، وتشجيع الأدباء والمفكرين الشباب، في الوقت الذي انهمك فيه المجتمع السعودي في ثقافة استهلاكية وسطحية نتيجة تداعيات عصر الطفرة الاقتصادية. المشروع الثقافي لـ (تهامة) حقق لها مكسباً وطنياً ومعنوياً لا يقدر بثمن، لكنه – في المقابل – أثقلها بخسائر مالية مزعجة.

عام 1991 قرر محمد سعيد طيب أن يحقق حلماً قديماً، التحق بنظام الانتساب في كلية الحقوق في جامعة القاهرة – بعد تدخل شخصي من الرئيس محمد حسني مبارك – مع أنه نال شهادة البكالوريوس في الاقتصاد والعلوم السياسية في مطلع شبابه، وبدأ – من جديد – طالباً تجاوز عمره الحلقة الخامسة!، وتخرّج – بنجاح – في نهاية التسعينيات، تأخر (الطيب) في التخرج عاماً كاملاً بسبب اعتقال انفرادي صغير (77 ليلة) بعد أن كتب رسالة سياسية ساخرة بعثها إلى صديقه المعين حديثاً – آنذاك – عضواً في مجلس الشورى الجديد عام 1993.

عام 1991 – أيضاً – أصدر محمد سعيد طيب كتيباً بعنوان (مثقفون وأمير) تحت توقيع مستعار “ياسر محمد سعيد” وناقش في كتابه: حقوق المرأة، العلاقة بين الحاكم والمحكوم، المشاركة الشعبية، قيمة الحوار والتنوع، التأثير السلبي للطفرة الاقتصادية على المجتمع السعودي، العلاقة بالآخر. نشر (الطيب) كتابه الرائد في الوقت الذي كانت الصحافة السعودية تناقش فيه مواضيع على غرار: النظافة من الإيمان وخطورة التدخين!.

خرج (الطيب) من (تهامة) عام 1998 ليبدأ مرحلة جديدة في حياته كمستشار قانوني، وتشاء الصدفة أن تختار (تهامة) عضوها المستقيل محامياً في مواجهة قناة (الجزيرة)، وتمكن (الطيب) وفريقه القانوني من الانتصار لـ (تهامة).

بعد أحداث سبتمبر 2001، والضغوط التي واجهتها السعودية داخلياً ودولياً، ساهم (الطيب) في رفع مطالبات الإصلاح إلى صناع القرار في المملكة، ولعل أبرز العناوين التي رفعها (الطيب) ورفاقه: تطوير نظام الحكم إلى ملكي دستوري يؤمن حياة ديمقراطية سليمة تكفل حقوق الإنسان والمواطنة. في عام 2005 اعتقل محمد سعيد طيب أسبوعين، ثم منع من السفر خمس سنوات متصلة!.

في مايو 2009 استضفت (الطيب) في قناة (ال. بي. سي) – بعد انتهاء منع السفر – وسألته: “كم مرة سجنت وكم مرة منعت من السفر”، فأجاب: “كثير. ما أدري!”.