المصدر : جريدة الأهرام المصرية
اعادت ثورات الربيع العربى للمواطن حريته المسلوبة و كرامته المهدورة و حقوقه المستباحة , ليس هذا فقط و لكنها اعادت العرب كلهم الى قلب التاريخ الذى عاشوا على هامشه سنوات طويلة مظلمة تحت نظم حكم استبدادية عاتية فى جبروتها و فسادها .
لم يعد العرب و لن يكونوا بعد اليوم ” الاستثناء الديموقراطى ” الوحيد فى العالم , ولن يكونوا ايضا ” الثقب الاسود” فى هذا الكون المتقارب بفعل ثورة الاتصالات و احلام الحرية و العدل و المساواة التى تجمنع شعوب الارض على اختلاف الوانها و ثقافتها و حظوظها من الثراء و التقدم , ارادت الشعوب العربية الحياة و استجاب القدر بعد ان عاندها طويلا , و اشرقت شمس الحرية بعد ان احتجبت سنين عددا , بزغ نورها المبارك من المغرب من تونس الخضراء ليبدد ظلمات الليل الطويل فى مصر و ليبيا و اليمن و قريبا سوريا .
ما يحدث فى مصر و المنطقة العربية هو اعادة ميلاد جديد لها , تحول تاريخى حقيقى و جذرى سيعيد رسم الخريطة العربية السياسية فى المنطقة و خارجها لسنوات مقبلة, المشهد الداخلى و الاقليمى بالغ التعقيد و السيولة , الاحداث سريعة و متلاحقة و التطورات و التغيرات تخطف الابصار , لهذه الاسباب رحنا نبحث عمن يقف خارج المشهد برمته يروى لنا كيف تبدو الصورة من بعيد لا من قلبها , فلن نطمئن و لن نكتفى برصد الجانب الذى نراه فقط من اجل هذا تفتح الاهرام صفحاتها اعتبارا من اليوم لنشر سلسلة من الحوارات اجراها محرروها و مراسلوها حول العالم مع عدد من الخبراء و السياسيين و المفكرين الاجانب و العرب خارج مصر , لعلنا نجد فى رايهم ما يعيننا على رؤية اوضح لواقعنا و مسيرتنا , اين نحن و فى اى اتجاه نسير و تسير بنا و معنا المنطقة كلها .
معن بشور.. مفكر قومي عروبي ناصري حتي النخاع, أحد أهم قياديي العمل العربي الوحدوي, تولي مسئوليات بارزة في حزب البعث الاشتراكي وخرج منه عام1975 ليؤسس تجمع اللجان والروابط الشعبية وهو منسقه العام, عضو الأمانة العامة بالمؤتمر القومي العربي, ثم أمينه العام, وعضو فاعل في الكثير من المنظمات والمؤتمرات العربية والقومية والإسلامية, والمدير العام لدار الندوة ببيروت حتي..2004 يري في مصر وحدها دون غيرها القدرة علي النهوض بالعرب من حالة التردي, ويري عزة العرب في عزة مصر واهتزازهم باهتزاز مصر, ويتوقع دورا فاعلا ورياديا لمصر بعد ثورة يناير ويحذر من الوقيعة بين الثورة والجيش والتيار الاسلامي مؤكدا أن قوة واحدة من القوي الثلاث لا تستطيع تقرير مصير مصر, ويري أن الثورة المضادة لن تستطيع أن تهزم ثورة شعب خرج من القمقم كالمارد ولن يستطيع أحد إيقافه لأنه أخرج كل الجماهير العربية من زنازين القهر والاستبداد ومحذرا من قيام بعض الدول العربية وإسرائيل وأمريكا بالعمل علي تفتيت المنطقة.. الأهرام التقته في بيروت وكان هذا الحوار!
كيف ترون مستقبل مصر في ظل الظروف الداخلية التي تمر بها كذلك الظروف الإقليمية والدولية الراهنة؟
لقد أمسك الشعب المصري بيده زمام أموره, لأنني توقعت في أواخر2010 أن عام2011 سيكون حاسما في مصر, ويوم الثورة كان يوما فاصلا في حياة المصريين, بعد ان وصل الاحتقان الشعبي ذروته, كما أن القوات المسلحة كانت قلقة علي مصير مصر وأمنها القومي الذي بات مهددا بانفصال جنوب السودان, وتهديد منابع النيل, ومحاولات نشر الفتنة الطائفية في مصر, الكيان الصهيوني في غزة, مما كان يمثل تهديدا حقيقيا لأمن مصر القومي, ولا أنسي الكتاب المهم الذي أصدره الاستاذ محمد عبد الهادي عشية الثورة المصرية عن خريف الدبلوماسية المصرية وانتقاده لمواقف الخارجية المصرية من أزمات ثلاث وهي منابع النيل, وحرب غزة والحرب علي لبنان في2006, وكنت أري في هذا الكتاب مؤشرا للتغيير وعدم القبول بالأمر الواقع حتي داخل المؤسسة الرسمية المصرية, وكنت أشعر ان كل العوامل التي تقود الي الثورة تتجمع من اجل لحظة تحول نوعي, وحدثت الثورة, وامتلكت مصر حريتها, وربما تواجه عثرات هنا, أو هناك, لكنها انتظمت في مسار ديمقراطي تستطيع من خلاله أن تحافظ علي ديمقراطيتها فأجرت انتخابات برلمانية, ثم انتخابات رئاسية, لتكشف انه لا تستطيع جهة واحدة في مصر أن تقرر مصيرها, فالنظام السابق له جمهوره والإخوان لهم جمهورهم. وشباب الثورة لهم جماهيرهم, لذلك فقد استعادت مصر توازنها, وأيا كان الرئيس المقبل لمصر لن يستطيع أن يتجاهل القوي الأخري التي دخلت الانتخابات وكذلك الإخوان وشباب الثورة.
واعتقد ان مستقبل مصر مرهون بغض النظر عن نتائج الانتخابات بصياغة علاقة تفاعلية وتكاملية بين القوي الثلاث, التيار الإسلامي, وشباب الثورة بكل تنوعاته القومية واليسارية والليبرالية, والمجلس العسكري, ولن تستطيع قوة واحدة أن تقرر مصير مصر, لذلك لابد من العلاقة التكاملية بين القوي الثلاث لإعادة مصر إلي دورها الذي ينتظره المصريون وحدهم, ولكن ينتظره كل العرب, لأن رئيس مصر هو رئيس العرب كلهم, وعلي الفائز بالرئاسة أيا كان أن يتصرف علي أنه رئيس لكل مصر, وليس رئيسا لحركة أو جيش أو تيار, وأن يعزز الوحدة بين المصريين وأن تشعر كل مكونات المجتمع المصري بأنها جزء من المرحلة الجديدة لأن مصر تحتاج الكثير, ولا تستطيع أن تواجه تحدياتها الداخلية والخارجية إلا إذا بقيت موحدة وقادرة علي تنظيم الإختلافات والتباينات بين قواها المختلفة.
هل تعتقد أن السلطة ستنتقل بسهولة من أيدي العسكر؟
من المعروف أنه قلما تولي العسكر السلطة وتركوها بسهولة ولكنني أري أن الأصوات التي ذهبت الي الفريق أحمد شفيق كانت تصويتا من المصريين لما يعتبرونه تصويتا للأمن والاستقرار وقوة الدولة, لأن مصر مجتمع تمثل فيه الدولة عنصر استقرار عبر التاريخ, ولذلك فإن ميل المصري للتمسك بهيبة الدولة وقوتها هو ميل تاريخي, ومن حق المصريين أن يقولوا ما يريدون, ومن واجبنا نحن كعرب أن نقول شيئا وهو أننا نريد مصر قوية موحدة تستعيد دورها الذي افتقدته منذ سنوات طويلة, فحين أخرجت مصر من صراعها مع العدو الصهيوني بكامب ديفيد أهتز العرب جميعا, وحين تعتز مصر يعتز العرب وحين تهتز مصر يهتز العرب.
< ألا تشعر بأن الثورة سرقت بعدما انحصر الصراع علي كرسي الرئاسية بين مرشح الاخوان المسلمين ومرشح النظام السابق؟
{ لا أحد يستطيع أن يسرق ثورة من شعب قام بها, فالشعب المصري قام بثورته وسانده الجيش المصري, ومن يقرأ منطق التاريخ لا يستطيع إلا أن يشعر بالثقة لأن الثورة انطلقت كالرصاصة, والرصاصة حين تخرج لا تعود, ربما لاتصيب الهدف في المرحلة الأولي, وربما تتعثر في مسارها, لكنها انطلقت ومن الصعب أن تعود, وكذلك من الصعب أن يعود المارد المصري الي القمقم, ولن تعود مصر الي الوراء حتي لو أخذت بعض الوقت, فالثورات الحقيقية تأخذ وقتا حتي تحقق أهدافها.
آلا تخاف علي الثورة المصرية من الثورة المضادة؟
بدون شك هناك قوي مضادة للثورة تبذل جهودا كبيرة لتحيد الثورة عن مسارها, وكلها قوي تنفق أموالا وتسخر إعلاما, وتسعي للعب علي المتناقضات لتعطيل الثورة في مصر, ولكن مصر ليست دولة هامشية, وشعبها ليس شعبا علي الهامش, وأعتقد أن القيود التي كبلت بها مصر بعد رحيل عبدالناصر قد تفككت في ثورة يناير, وأن مصر أعادت الانطلاق من جديد, وحين ينطلق المارد المصري لا يستطيع أحد أن يوقفه, بالرغم من كل الصعوبات هنا أو هناك, فنحن واثقون بقدرة مصر علي أن تقود ثورتها رغم كل محاولات الاختراق وهي كبيرة وخطيرة.
وما تفسيركم لصعود التيارات الإسلامية إلي الواجهة وليس التيار القومي العربي خلال ثورات الربيع العربي؟
علينا أن نعترف أن التيار القومي العربي قد شهد انحسارا وأبرز أسباب هذا الانحسار هو أن الأنظمة والتنظيمات التي رفعت شعار القومية لم تكن بمستوي الشعارات التي رفعتها, كما قامت بممارسات أضعفت التيار القومي, ولم تكن كل المؤامرات ضد التيار العربي لتنجح لو أن ممارسات قوي وأنظمة هذا التيار كانت مختلفة, فعبد الناصر واجه حروبا كانت تمنحه القدرة علي مواجهة كل الهجمات ضده, فالجماهير كانت تحمي عبدالناصر وهي التي أعادته بعد التنحي, وهذه العلاقة الطبيعية افتقدناها ليس كأنظمة فقط بل كتنظيمات حين انقسمنا أحزابا وشيعا ومجموعات وحتي دكاكين ترفع شعارات مماثلة, فكيف يصدق العربي أنك وحدوي, وأنت عاجز لا تستطيع أن تتوحد مع من يحمل نفس الأفكار ويرفع نفس الشعارات.
وانحسار التيار القومي الذي كان يملأ الساحة العربية, أفسح المكان لنمو التيار الإسلامي بالفراغ الذي تركه, وعلينا أن نعترف أن التيار الإسلامي يمثل دفاعا عن هوية الأمة التي كانت مستهدفة علي مدي أربعة عقود بعد رحيل عبدالناصر, ولذلك عندما يصوت الناخبون في بلدان الربيع العربي لممثلي الإسلاميين, إنما ينتخبون دفاعا عن هويتهم وعقيدتهم التي استهدفت وشوهت كما أن الحركات الإسلامية تحملت عبئا كبيرا في النضال ضد الأنظمة وبالتالي حصدت تعاطفا كبيرا من الناس, كما أنها اشتغلت بأساليب متطورة حين ربطت عملها السياسي بالعمل الاجتماعي والتربوي, فربطت شرائح كبيرة من الفقراء بها, وكل هذه الأسباب تفسر صعود هذا التيار الإسلامي, الذي هو مدعو اليوم ليستفيد من حركة القومية العربية وتعثرها, فاذا سار في الطريق الذي سارت فيه القومية العربية وارتكبت نفس الأخطاء وخصوصا الاحتكار والاقصاء وهو ما وقعت فيه الأحزاب القومية العربية, فسوف يخسر كثيرا, ولذلك أطلب من الحركة الإسلامية في مصر والمنطقة العربية أن تراجع بدقة أسباب تعثر التيار القومي وأن تستفيد منها.
خلال الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة المصرية, وخلال الجولة الأولي من انتخابات الرئاسة, وصفتم المرشح حمدين صباحي بالظاهرة التي تكبر مثل كرة الثلج.. لماذا؟
لم أذهب مرة إلي مصر إلا وشعرت بأن حضور الزعيم الخالد جمال عبدالناصر يكبر مرة بعد مرة, ومع تردي الأوضاع في ظل النظام السابق بدأ المصريون يكتشفون الفرق ما بين مرحلة عبدالناصر وما بعدها وبالتالي كانت قامته تطول, ومكانته تكبر, وأفكاره تصبح أكثر انتشارا, ولذلك شجعت الأخ والصديق الذي أعرفه منذ الثمانينيات حمدين صباحي ليرشح نفسه لرئاسة الجمهورية حتي في زمن الرئيس السابق, وكنت أقول له يجب أن تحجزوا مكانا للتيار القومي العربي والتيار الناصري في الحياة السياسية المصرية, لأن حمدين يتمتع بصفات تؤهله لأن يكون مركز استقطاب, فهو محبوب بالإضافة إلي اندفاعه القوي تجاه كل القضايا القومية, وقد شاركنا الحصار الذي تعرضنا له في الثمانينيات في بيروت ثم طرابلس, كما أن حمدين صباحي منحاز للفقراء, وهذه يعطيه فرصا كبيرة داخل مصر, ليحوز شريحة واسعة من المصريين جري تهميشها وحرمانها علي مدي عقود طويلة. وأعتقد أن التيار الشعبي الكاسح في مصر كان يريد مرشحا خارج النظام القديم أو التيار الإسلامي, لأن المصريين بطبعهم لا يحبون الاستئثار, والحزب الواحد, وهذا المزاج الديمقراطي يتمسك بدولة مدنية.
ولكنه رغم ذلك لم يصل للمرحلة النهائية في جولة الإعادة.. فما تفسيركم؟
أعتقد أن الحملة الإعلامية الضخمة للمرشحين الآخرين, قد أوحت بأن حمدين لن ينال أصواتا كثيرة, ولو عرف كثير من المصريين أن حمدين سيحصد أصوات الملايين في القاهرة والإسكندرية وغيرهما من المحافظات, لانهالت عليه الأصوات, ولكن الإعلام أوحي بأن حمدين لن ينال كل هذا الكم من الأصوات, كما أن ضعف الامكانيات المادية لحملة حمدين أثرت في الدعاية له, ويجب ألا ننسي أن كل الأصوات التي ذهبت لحمدين وأبوالفتوح وخالد علي والبسطويسي, كانت تصويتا لتيار مصر العربية المدنية الديمقراطية, وأعتقد أن حمدين لو وصل إلي الدور النهائي لكان الفائز مهما يكن من يواجهه وذلك حسب استطلاعات معهد كارتر للرأي.
وهل يمكن أن يكون المستقبل العربي أفضل مع التيار الإسلامي أكثر من التيار القومي؟
الاسلاميون ليسوا نوعا واحدا, كما أن القوميين ليسوا نوعا واحدا فكثير من الإسلاميين والقوميين يحملون الرأي ذاته, وهناك قوميون وإسلاميون يحملون رأيا مخالفا, وعموما القومي العربي ليس من ينتمي إلي سلالة قومية من مدارس الناصرية أو البعث فقط, بل هو كل من يلتزم بالمشروع النهضوي العربي بعناصره الستة وهي الوحدة العربية, الديمقراطية, الاستقلال الوطني القومي, التنمية المستقلة, العدالة الاجتماعية, والتجدد الحضاري, فمن يلتزم بهذا المشروع فهو القومي العربي بغض النظر عن أيديولوجيته.
وبالتالي فان القومية والإسلام ليسا نقيضين, فلكل منهما مستوي معين في تعريفه, ولا نحكم علي الإسلامي باسلاميته, ولا علي القومي بقوميته, بل نحكم علي الجميع بممارساته بمقدار ما يقترب من عناصر المشروع القومي, بمقدار ما نعتقد أنه قادر علي صنع مستقبل أفضل للأمة العربية, وبمقدار يبتعد عن عناصر المشروع, بمقدار ما نعتقد أنه سيتعثر.
ولماذا تحول الربيع العربي من وجهة نظركم إلي خريف في سوريا؟
هناك وجهان للأزمة في سوريا, داخلي, وخارجي, فالوجه الداخلي ينبغي الاعتراف به ومعالجته لأن الحراك بدأ سلميا بكل معني الكلمة ثم تحول إلي ما يحدث الآن, وهناك وجه خارجي يجب ألا نغفله منذ اللحظة الأولي من اندلاع الأحداث في سوريا, وهو محاولة استغلال مطالب شعبية مشروعة لتنفيذ أجندات أجنبية, وبالتالي فإن الهدف في سوريا ليس نظاما أو حزبا أو رئيسا بقدر ما هو بدل وموقع وموقف ودور لعبته سوريا علي مدي سنين, ولذلك أعتقد أن المعالجة تبدأ بادراك هذه التعقيدات بعدما دخل الحراك في سوريا مسارا طغي عليه التدخل الخارجي علي المطالب الاصلاحية الداخلية, وطغي فيه الخطاب الطائفي المفرق والمشتت علي الخطاب الوطني الجامح, ودخلت فيه العسكرة علي السلمية, فباتت المسألة السورية وكأنها أمر يحل خارج سوريا وليس داخلها, وهذا يتطلب مواجهته بجهد سوري عربي إقليمي دولي مشترك, يقوم علي محاور أربعة, أولها تسوية داخلية ومصالحة وطنية سورية تتحقق فيها مطالب الشعب السوري المشروعة, وتصان الحريات والديمقراطية وتداول السلطة, وثانيها مصالحة عربية ـ عربية, وهنا يجب علي مصر أن تلعب دورا مهما في انجاز مصالحة عربية ـ عربية, ونحن في لبنان لم يكن ممكنا إنهاء الحرب الأهلية لولا مصالحة عربية ـ عربية جرت مرتين, مرة عام1976 وفي عام1989, وفي المرتين كانت المصالحة سورية مصرية, وثالثها تفاهم إقليمي تركي إيراني, ورابعها تفاهم دولي, وكل هذه الأمور ستؤدي بتأكيد حل المشكلة في سوريا, لذلك يجب علي أول رئيس مصري بعد الثورة أيا كان من هو, أن يقوم بدور لايجاد مناخ لاجراء مصالحة عربية ـ عربية توقف سفك الدماء في سوريا, وإلا ليل سوريا سوف يطول.
لماذا من وجهة نظركم التركيز علي سوريا مع أن هناك أحداثا لا تقل أهمية مثل ما يحدث في البحرين والجزيرة العربية مثلا؟.
بعض الدول العربية ومعها الغرب وأمريكا وإسرائيل, يريدون توظيف ما يجري في سوريا لخدمة مخططاتهم الاستراتيجية المتعلقة بالمنطقة ككل, وتفتيتها, ولذلك فموقفهم من الأحداث يكشف مخططاتهم في سوريا, ولو كان الأمر إصلاحا وديمقراطيا لماذا لم يقفوا مع البحرين موقفهم من سوريا؟ لكن هذه الإزدواجية في المعايير تكشف الأهداف الخبيثة من التدخل الأجنبي وبعض النظم العربية في المسألة السورية.
وما أثر ما يحدث في سوريا علي لبنان؟
في لبنان هناك انعكاس دائم لما يجري في سوريا, والعكس صحيح, لذلك حرصت بنود اتفاق الطائف الذي أنهي الحرب الأهلية في لبنان أن يخصص جزءا مهما للعلاقات السورية اللبنانية مؤكدا أن أمن لبنان من أمن سوريا, والعكس صحيح, وأنه لا يجوز أن يكون لبنان مقرا أو ممرا لأي شخص أو جماعة تريد العبث بأمن سوريا, والعكس صحيح, وهذه الأمور تضمن استقلال لبنان وهناك اتفاق عليها واقرار بأهميتها حتي لا يدفع لبنان الثمن, ثم هناك تراكمات تاريخية في العلاقة بين أطراف في الساحة اللبنانية وبين سوريا وهذه الأطراف وجدت فيما يحدث في سوريا فرصة من أجل تصفية الحسابات مع النظام السوري, لكن المشكلة في هؤلاء.. وان كنا نتفهم أسباب موقفهم ـ كيف ـ يسمحون لأنفسهم بأن يجروا لبنان الي أتون الأحداث في سوريا دون تقدير لعواقب مثل هذه السياسات علي لبنان نفسه بكل مكوناته وأطرافه, بما فيها الطرف الذي يعتقد أنه يستطيع أن يسهم في إشعال الفتيل في سوريا, ومن هنا تأخذ جلسات الحوار الوطني التي دعا اليها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان أهمية إعادة لم الشمل لإزالة هذا الاحتقان الناجم عن هذه المواقف الجارية تجاه الأحداث في سوريا.
هل تعتقد أن الاهتمام بالربيع العربي أثر سلبيا علي الاهتمام بالقضية الفلسطينية؟
لا نستطيع أن ندرك موقع فلسطين في هذه الثورات العربية إلا بمراقبة ردود فعل الكيان الصهيوني من هذه الثورات وخصوصا الثورة المصرية, فهم يدركون جيدا أن الثورات لو لم ترفع شعارات مباشرة باتجاه فلسطين, فهي حتما بعد أن تستكمل بناءها الداخلي ستتجه نحو فلسطين فثورة عبدالناصر ولدت وسط الحصار في الفالوجا بقطاع غزة وثورة يناير كان من أسبابها موقف نظام مبارك من قطاع غزة وبالتالي لا يمكن للمصريين أن ينسوا فلسطين, لأنها جزء من عقيدتهم وهويتهم, وفيها القدس الشريف بمقدساته الإسلامية والمسيحية, وفلسطين جزء من الأمن القومي المصري ومصر دائما تتهددها المخاطر ممن يضع يده علي فلسطين, ولا تستطيع مصر أن تضمن أمنها القومي إلا إذا ضمنت ما يجري في فلسطين, ولذلك لا أعتقد أن أحدا يستطيع أن يمنع أبناء الأمة عن فلسطين, ويكفي أن نعلم ما جري للسفارة الإسرائيلية في القاهرة, وتدمير خط تصدير الغاز أكثر من مرة, ووقف اتفاقية تصدير الغاز, بالاضافة الي أن الشعب المصري وعقب كل السنوات بعد كامب ديفيد يرفض التطبيع, وبذلك أفشل جزءا أساسيا من كامب ديفيد.
هل ستصل رياح الربيع العربي لبقية الدول العربية؟
للتاريخ قوانينه التي تقول إنك تستطيع أن تسجن كل الناس بعض الوقت, وتستطيع أن تسجن بعض الناس كل الوقت ولكنك لم تستطيع أن تسجن كل الناس كل الوقت, ولذلك نحن مع الحراك الإصلاحي في كل الدول العربية, ونؤكد أن هذا الحراك لا ينحصر بمنطقة واحدة ولا طائفة واحدة, ونري بوادره, فالشعب يصر علي الإصلاح, وأي تجاهل لمطالب الإصلاح سيفتح ثغرات في جدار النظام, ولأننا مع هذا الحراك فقد انتخبنا في المؤتمر القومي العربي الأديب والكاتب السعودي محمد سعيد في الأمانة العامة, وهو قامة ناصرية قومية سجن لسنوات وممنوع من السفر, لنؤكد ضرورة الإصلاح الذي تطالب به الشعوب.
كيف تري مستقبل العرب بعد الربيع العربي؟
ما يحدث الآن يشبه التحولات التي حدثت في الخمسينات من القرن العشرين, عندما جاء عبدالناصر ليخترق النظام العالمي ويفتح آفاقا أمام حركات التحرر العربية والعالمية عبر مؤتمر باندونج ثم المواجهة في العدوان الثلاثي علي مصر, ثم دعم الثورة الجزائرية, وحركات التحرر في إفريقيا, ليتشكل عالما جيدا.
والآن نحن أمام مرحلة تاريخية, إذا استطاع العرب أن يستفيدوا من تحولاتها, فان آفاقا كبيرة مفتوحة أمامهم للوحدة والتنمية والتحرر وتحرير فلسطين, ومن هنا تأتي أهمية مصر لانه لا توجد دولة عربية تستطيع أن تقود العرب للإستفادة من هذا التحول إلا مصر, ومن هنا أيضا نفهم هذا التكالب علي افشال الثورة في مصر, ولذلك يجب أن تبرز في مصر قيادة تدرك أن الفرصة متاحة لمصر لكي تلعب دورا مهما علي طريق تحقيق أهداف مشروعها وأعتقد أن الشعب المصري حين يملك زمام أموره, وحين تنشأ علاقة تفاهم وتكافل بين الشعب ومكوناته المختلفة وقواته المسلحة, سوف تستطيع مصر أن تلعب دورا ينقلنا كعرب جميعا من حالة التردي إلي حالة النهوض من جديد.