الشِّيشَة الاستراتيجيّة..!

المصدر : جريدة المدينة

ظَاهرة الصَّوالين في السّعوديّة أصبحت مِن الظَّواهر الجَديرة بالدِّراسة، والبَحث والتَّأمُّل، لأنَّها -باختصار- رَدّة فعل طَبيعيّة لغياب النِّقابات والبَرلمانات والجَمعيّات الصَّغيرة، التي يَجد فيها النَّاس مَكانًا آمنًا للبوح باختلاجاتهم، وبَث وَساوسهم، والتَّناوش والتَّهاوش فيما بَينهم..!
غير أنَّ الصَّوالين -في الفَترة الأخيرة- فَقدت رَونقها وقَلَّ بَريقها، فلم تَعُد ذَلك المَكان المُغري الذي يَضرب له النَّاس أكباد وكَفرات سيّاراتهم، أو يَشدّون رِحَال خُطاهم إليها..!

 

حَسنًا.. لنُخصِّص العَام، ونَتحدَّث عَن أشهر صَالون وُجهاء في الحِجاز، وأعني به صَالون صَديقنا الشَّهم «محمد سعيد طيّب»، وذَلك بسَبب «الميانة» التي أجدها بَيني وبَين صَاحبه، مُحامينا الكَبير «أبوالشيماء»، فهَذا الصَّالون مَثلًا تَحوَّل في السَّنوات الأخيرة إلى تَجمُّع كَبير، يَضم الجيّد والأقل جَودة، ويَنحشر فيه شيء مِن رَجيع الصَّحافة، وبَعض مِن رَجيع الإعلاميين، أو لِنَقُل بَعض مِن الكُتاب الذين انتهت صَلاحيتهم، نَاهيك عَن كَائنات بَشريّة تَتحدَّث في كُلِّ شَيء، وتُبدي رَأيها مِن دون أن يُطلب مِنها، وكَم آسف عَلى حَالي؛ حين أتذكَّر بداية انضمامي لهَذا الصَّالون، قَبل خَمسة عَشر عَامًا، حيثُ كنتُ أُصدِّق كُلّ التَّحليلات والقِراءات السِّياسيّة والاجتماعيّة، التي تُقال في هَذا المَجلس، عَلى اعتبار أنَّ قَائليها ممَّن أُلهموا الرُّشد، وعَرفوا الوَاقع، واطّلعوا عَلى بَواطن الأمور، ولكن مَع الوَقت تَبيّن أنَّ آرائهم كَانت في جَانب، والوَاقع في جَانب آخر، إنَّهم تَمامًا مِثل ضَربة الجَزاء التي يُصوّبها «ماجد عبدالله»، حين يَضع الكُرَة في جهة، والحَارس في جهةٍ أخرى.. وتَوصَّلتُ إلى نَظريّة عَرفجيّة تَقول: (إذا قِيل في صَالون الثّلوثيّة أي شَيء، فإنَّ عَكسه هو الصَّحيح، والشَّواهد التي عِشتها تُغني عن الدَّليل والبُرهان)..!
وممَّا يلفت النَّظر في الثّلوثيّة، هو دَعم بَعض الأعضاء –هُناك- للتيّارات والأحزَاب الشَّاذة، مِثل «حزب الله» و«إيران» و«روسيا المُنفرطة»، كما أن الثّلوثيّة -مِن جهةٍ أخرى- تَزخر بالطبّالين والمُرائين، فشَريحة مِنهم تَقول في الصَّالون عَكس مَا تَكتب، وتَكتب عَكس مَا تَفعل، وتَفعل عَكس مَا تَظن، وتَظن عَكس مَا تَعتقد، وتَعتقد عَكس مَا تُظهر، وتُظهر عَكس مَا تُبطن، إلى آخر هذه الدَّائرة الحَلزونيّة المؤدِّية إلى بحيرة الرِّياء، وليس إلى بحيرة المِسك..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي..؟! بَقي القَول: إنَّك تَسمع في الصّالونات الأدبيّة -ومِنها صَالون الثّلوثيّة- كَلامًا كَثيرًا عَن الإصلاح، ومُحاربة الفَساد وهَذا جيّد، ولكن لنَبدأ بأنفسنا، فإصلاح الثّلوثيّة أولى مِن الحَديث عَن «حزب الله»، أو مَا يُسمّونه في الثّلوثيّة «السيد حسن نصر الله»، كَما أنَّ إصلاح الصَّالون، وتَقليص المُنافقين والفَاسدين، والمُفلسين والسَّاخطين والمُتوتّرين؛ أولى مِن الحَديث في الشَّأن الإيراني، أو جمهورية الموز في «نيكاراجوا»، أو تَداعيات الفَقر في «الصومال»..!
إنَّنا نُحبُّ الأستاذ القدير «محمد سعيد طيّب»، ولكنَّنا -كما يَقول «سُقراط»- نُحبُّ الحَق أكثر مِن مَحبّتنا لصَديقنا الشَّهم «الطيّب»، وليَكن شعارنا أنَّ الإصلاح يَنبع مِن الدَّاخل، ولنعتبر أنَّ أوّل الدَّاخل يَنطلق مِن الثّلوثيّة، وغَيرها مِن الصّالونات التي أصبحت مَكانًا للتَّسمين الغِذَائي، واستهلاك السَّجائر والمعسّلات والشّيَش..!