المصدر : موقع منبر الحوار و الإبداع
أعد الدراسة المحامي /عبدالرحمن اللاحم
[دراسة نقدية لمشروعي نظامي القضاء و ديوان المظالم المقترحين]
قراءة لأهم ما جاء في مشروع نظام القضاء وديوان المظالم الذي عرض وأجيز من قبل مجلس الشورى مع رصد النقاط التي تتعارض مع المبادئ القضائية والمعايير الخاصة بالمحاكمة العادلة ومدى ملائمة المشروعين لقيم حقوق الإنسان .
( تم تدقيق هذه المادة من قبل منبر الحوار والإبداع ، ولذا أعتبرها مادة خاصة به للنشر )
[دراسة نقدية لمشروعي نظامي القضاء و ديوان المظالم المقترحين]
قراءة لأهم ما جاء في مشروع نظام القضاء وديوان المظالم الذي عرض وأجيز من قبل مجلس الشورى مع رصد النقاط التي تتعارض مع المبادئ القضائية والمعايير الخاصة بالمحاكمة العادلة ومدى ملائمة المشروعين لقيم حقوق الإنسان . أعد الدراسة المحامي /عبدالرحمن اللاحم يشكل القضاء الضمانة الحقيقية لحريات المواطنين المكتسبة حيث تعتبر المؤسسات القضائية السياح المنيع ضد أية انتهاكات قد تمارس من قبل الأفراد أو المؤسسات على الإنسان لذا فإن العمل على النهوض بالمؤسسات القضائية وإصلاحها هيكلياً وتشريعياً يعد حجر الزاوية لأي مشروع إصلاحي جدي , وانطلاقاً من تلك المسلمة فإننا نتقدم بهذه الورقة النقدية لمشروع نظامي القضاء وديوان المظالم والذي عرض وأجيز من قبل مجلس الشورى وكنا نأمل أن يقوم المجلس بدوره الحيوي وأن يقف موقفا تاريخيا من خلال إعطاء هذين النظامين ما يستحقانه من النقاش والحوار مع المختصين ومن لهم صلة بالمؤسسة القضائية أو من له اهتمام بالحراك الإصلاحي حيث أن هذين النظامين يعدان من الأنظمة المفصلية التي تستحق مزيد من الدراسة والتمحيص وفق المعايير والمبادئ العالمية التي تحكم العمل القضائي .
مدخل
قبل الخوض في النواحي التفصيلية لمشروع النظامين محل هذه الورقة لابد من التعريج على نقطتين أساسيتين نعتقد أن لهما صلة مباشرة بالإصلاح القضائي وهما ضرورة وجود مدونات قانونية تحكم العلاقات المدنية بين المواطنين وتحكم المسائل الجنائية إضافة إلى وجود مؤسسات أكاديمية متخصصة لتخريج موظفي المؤسسات العدلية .
التقنين أولاً
الواقع أنه رغم صدور العديد من الأنظمة التي شملت بعض العلاقات و المراكز القانونية بين الأفراد إلا أنه لم تزل هنالك العديد من المسائل التي لم يصدر بشأنها تقنين ينظم موضوعاتها وفقا لمواد قانونية مجردة لذا فقد تعالت أصوات دعاة الإصلاح مطالبين بمراجعة شاملة للأنظمة القضائية بما يتوافق والقيم الإنسانية لحقوق الإنسان وما يتوافق والمعايير الدولية للمحاكمة العادلة ولا سيما أن القضاء يعد السياج المنيع لحريات الناس وحقوقهم ضد الانتهاك والمصادرة ولا يمكن الحديث عن تقدم في ملف حقوق الإنسان دون العمل على إيجاد مؤسسة قضائية مستقلة تذود عن حقوق الناس ومكتسباتهم ضد القمع والتعسف والمصادرة . إن الاعتماد على نظام التعازير – المعمول به حالياً في المحاكم- القائم على التقديرات الجزافية) قد أدى إلى تفاوت العقوبة من قاض لآخر على ذات الجرم وذلك يشكل مخالفة صارخة تقرع لها الأذن لمبدأ ( المساواة أمام القانون) .وهذا ينطبق على كافة القضايا الأخرى – غير الجزائية -التي لم يصدر بشأنها تقنين ينظم موضوعاتها . كما أن عدم وجود مواد مقننة في شكل نصوص قاطعة قد أدى إلى تزايد اجتهاد القضاء في البحث عن القاعدة الفقهية التي تصلح دعامة للحكم الأمر الذي نجم عنه اختلاف التسبيب في القضايا المتشابهة من قاض لآخر وقد نجم عن ذلك صعوبة إيجاد قواعد ثابتة يمكن بناء منهج قضائي ثابت عليها . أن الإصلاح الحقيقي لمرفق القضاء يفترض أن يبدأ من (القاعدة )من خلال تشريع أنظمة قانونية تحكم الخصومة من حيث الموضوع سواءً كانت أنظمة تتعلق بالحقوق والحريات الأساسية أو مدونات تنظم الأحوال الشخصية أو أنظمة جزائية تحدد الأفعال المجرمة والعقوبات المقررة عليها ولا يمكن التخلص من تلك المثلبة إلا بإيجاد نظام عقوبات أسوةَ ببقية أمم الأرض لذا فإن إصلاح المؤسسات القضائية من حيث الهيكل – على أهميته- لا بد أن يسبقه إصلاح القضاء من حيث الممارسة اليومية التي تمس المواطن بشكل مباشر وتؤثر على حقوقه وحرياته المكتسبة بحكم القانون لذا فإن الإصلاح الحقيقي لابد أن يأتي من خلال حزمة تشريعية متكاملة تشمل إصلاح الهيكل القضائي وتضبط الخصومة القضائية من حيث الموضوع . على أن يكون ذلك تحت مظلة القواعد الكلية في الشريعة الإسلامية والمبادئ والمعايير الدولية المتعلقة بالحقوق والحريات الأساسية , و ترسيخ قاعدة ( لا جريمة و لا عقوبة إلا بنص ) التي أكدتها المادة الثامنة والثلاثون من النظام الأساسي للحكم والتي نصت على : (العقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على نص شرعي أو نص نظامي ولا عقاب إلا على الأعمال اللاحقة للعمل بالنص النظامي ) و تفعيل مبدأ ( الفصل بين السلطات ) إذ أن مهمة القاضي الحقيقية تنحصر في تطبيق القاعدة القانونية دون أن يكون له صلاحية إنشائها والتي تعد من مهام المؤسسة التشريعية. ضرورة إيجاد مؤسسات أكاديمية متخصصة في تخريج القضاة لقد نصت المادة العاشرة من مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية والمعتمدة بقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/32 في 29 نوفمبر 1985 ورقم 40/146 في 13 كانون الأول / ديسمبر 1985( وسوف يشار إليها لاحقاً في هذه الدراسة بمبادئ الأمم المتحدة ) على : (يتعين أن يكون من يقع عليهم الاختيار لشغل الوظائف القضائية أفرادا من ذوى النزاهة والكفاءة، وحاصلين على تدريب أو مؤهلات مناسبة فى القانون . ويجب أن تشتمل أي طريقة لاختيار القضاة على ضمانات ضد التعيين فى المناصب القضائية بدوافع غير سليمة . ولا يجوز، عند اختيار القضاة، أن يتعرض أي شخص للتمييز على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو الدين أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء أو المنشأ القومي أو الاجتماعي، أو الملكية أو الميلاد أو المركز، على أنه لا يعتبر من قبيل التمييز أن يشترط فى المرشح لوظيفة قضائية أن يكون من رعايا البلد) ومن المعلوم أن كليات الشريعة هي الجهات الأكاديمية التي تقوم بتخريج القضاة في السعودية لكن تلك الكليات لازالت بمناهجها والطرق المتبعة فيها للتدريس والتأهيل بعيدة عن الواقع القضائي المعمول به في المحاكم والنصوص القانونية التي تحكم الخصومة من حيث الشكل والموضوع حيث أن الطالب في تلك الكليات ينصب للقضاء ويكون مؤهلاً من حيث الشهادة الأكاديمية للفصل في الخصومات دون أن يكون قد درس طوال مدة دراسته مادة قانونية واحدة أو أحاط بالأنظمة التي لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة بالقضاء سواء كانت أنظمة تجارية أو مدنية أو إدارية أو جزائية ومع هذا كله نجد أن من شروط تقلد القضاء كما جاء في المشروع الجديد أن يكون متخرجاً من كلية الشريعة دون أية ضوابط أخرى تضمن تأهيله وإعداده للفصل بين الناس وحفظ حقوقهم وأموالهم بما يتلاءم والتشريعات الوطنية وهذه المثلبة في النظام القضائي الحالي لم يتم تداركها في المشروع الجديد على النحو الذي سيرد تفصيله . إن تشريع أي نظام مهما بلغ في رقي نصوصه ومبادئه لا بد كي يؤتي ثماره الإيجابية على الدولة والمجتمع من إيجاد أرضية من الكوادر البشرية المؤهلة والمدربة لتطبيقه والتعامل البناء مع نصوصه لذا فإن للمؤسسات الأكاديمية المتخصصة في تخريج موظفي المؤسسات العدلية ( من قضاة ومدعين عامين ومحامين ) أهمية قصوى في تفعيل تلك الأنظمة بالشكل الإيجابي . لذا فإننا نعتقد بضرورة إنشاء مثل تلك المؤسسات الأكاديمية المتخصصة في تخريج موظفي المؤسسات العدلية .
الملاحظات الموضوعية على مشروع نظام القضاء المقترح
ابتداءً لابد أن نؤكد على أن هذه الدراسة إنما قامت على أساس ما نشر في الصحف من ملامح أساسية لمشروعي النظامين محل هذه الدراسة , وقد حاولنا بأكثر من طريق للحصول على النص الكامل للنظامين إلا أننا لم نستطع الوصول إليهما مع أن لهما علاقة رئيسية بكل من له صلة بالمرفق القضائي أو العمل الإصلاحي , وكان من المفترض إتاحة مسودة النظامين لكل من يريد الإطلاع عليهما من المختصين , لذا عمدنا في هذه الدراسة لتسليط الضوء على المبادئ العامة مع الاستشهاد بالنصوص في النظام المقترح وفي حالة عدم توافر النص نذكر النص في النظام الحالي من أجل بيان السلبيات والتعديلات المقترحة عليه ومدى تصادمه مع المبادئ العامة لمرفق القضاء وعمل الأجهزة القضائية أو معارضته لمبادئ حقوق الإنسان ومعايير المحاكمة العادلة .
أولاً : مبدأ استقلال القضاء
أن أي نظام قضائي لا يتصف باستقلاليته سيعد قاصرا عن أداء مهامه في إدارة مرفق العدالة و تحقيق الغايات العامة في من إنشاءه وهو تحقيق العدالة وصيانة حقوق الإنسان وحمايتها من التعسف والمصادرة. و نوضح فيما يلي مدى تطابق مبدأ استقلال القضاء في ظل النظام القضائي الحالي و مشروع النظام الجديد ونعرض أولا لمفهوم مبدأ استقلال القضاء وأسانيده الشرعية .
1- مفهوم مبدأ استقلال القضاء وأسانيده الشرعية.
يعد استقلال القضاء الركيزة الأساسية في تحقيق العدالة والتي لا يمكن أن تتحقق في غياب أحد مقوماتها الأساسية وهو استقلال القضاة وحماية هذا الاستقلال من أي تدخل أو تأثير سواءً من السلطة التشريعية أو من السلطة التنفيذية ، كما أن استقلال القضاء يستلزم أن تكون له وحده دون غيره الولاية على نظر جميع الدعاوى ذات الطبيعة القضائية ومعنى هذا أنه لا يجوز لأية سلطة غير قضائية أن تغير من حكم المحكمة على نحو يضر بأحد أطراف الخصومة إلا فيما يتصل بالتماس التخفيف والعفو وألا توجد هيئات تمارس صلاحيات قضائية خارج المؤسسة القضائية . وهذا يتفق مع نظام الدولة و المواثيق الدولية وفقا لما يلي :
أ- المواثيق الدولية
قرارات الجمعية العامة بالأمم المتحدة
أصدرت الأمم المتحدة مبادئ أساسية بشأن استقلال السلطة القضائية واعتمدت بقراري الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/32 في 29/نوفمبر 1985 ورقم 40/146 في 13/ديسمبر 1985 وجاء في المادة الأولى منها : تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية و ينص عليها دستور البلد أو قوانينه ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية .
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
نصت المادة (10) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أنه ( لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظراً منصفاً وعلنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجهه إليه ).
ب – النصوص القانونية بالمملكة .
– نظام الحكم , تنص المادة (46) من النظام الأساسي للحكم على أن ( القضاء سلطة مستقلة …..و لا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية) . ووفقا لهذه النصوص فإن المحاكم تستمد استقلاليتها من مبدأ الفصل بين السلطات والذي يعد ركيزة من ركائز المجتمعات الحرة الحديثة ومعنى هذا أن يكون لكل جهاز من أجهزة الدولة مسئوليات محددة يختص به وحده دون غيره ومن ثم يجب أن تكون للقضاء كمؤسسة والقضاة كأفراد السلطة الوحيدة للفصل في الدعاوى المطروحة في ساحات المحاكم .
2- مدى تطابق مبدأ استقلال القضاء في ظل النظام القضائي الحالي و مشروع النظام الجديد.
وفي استعراض للنصوص الواردة في نظام القضاء الحالي فإنه يمكن لنا أن نرصد جملة من الملاحظات الخاصة باستقلال القضاء نسوقها من خلال المفردات التالية : أ- الإخلال بمبدأ عدم قابلية القضاة للعزل يعتبر مبدأ عدم قابلية القضاء للعزل من أهم المبادئ التي تؤكد استقلال القضاء حيث تتيح للقضاة أن يمارسوا أعمالهم دون خوف ، وهو ما يعنى عدم جواز عزل القضاة إلا بالطريق التأديبي الذي يقتضي إجراء تحقيق مع القاضي فيما ينسب إليه وتمكينه من الدفاع عن نفسه. وقد نصت مبادئ الأمم المتحدة في المادة (12) على أنه : ( يتمتع القضاة سواء أكانوا معينين أو منتخبين بضمان بقائهم في منصبهم إلى حين بلوغهم سن التقاعد الإلزامي أو انتهاء الفترة المقررة لتوليهم المنصب حيثما يكون معمولاً بذلك .) كما نصت المادة (18) من المبادئ نفسها على : ( لا يكون القضاة عرضة للإيقاف أو العزل إلا لدواعي عدم القدرة أو دواعي السلوك التي تجعلهم غير لائقين لأداء مهامهم.) وجاء في المادة (19) (تحدد جميع الإجراءات التأديبية أو إجراءات الايقاف أو العزل وفقاً للمعايير المعمول بها للسلوك القضائي) وأكدت المادة (20) على أنه ينبغي ( أن تكون القرارات الصادرة بشأن الإجراءات التأديبية أو إجراءات الإيقاف أو العزل قابلة لإعادة النظر من جانب جهة مستقلة , ولا ينطبق ذلك عل القرارات التي تصدرها المحكمة العليا أوالسلطة التشريعية بشأن الاتهام الجنائي وما يماثلها ) أما تطبيق هذا المبدأ في النظام السعودي فقد نص نظام القضاء الحالي في مادته الثانية على “القضاة غير قابلين للعزل إلا في الحالات المبينة في هذا النظام” وقد أعيد تكرار نفس النص في المشروع الجديد وهى صياغة مرنة تتيح إهدار المبدأ وكان من الأولى أن يكون النص على النحو التالي “القضاة غير قابلين للعزل إلا بالطريق التأديبي” وإنما صياغة النص على النحو الوارد بنظام القضاء تتيح الإخلال بالمبدأ عن طريق تقرير حالات مستترة للعزل داخل نظام القضاء وقد ورد حالات مشابهة في النظام الحالي (نظام القضاء) ومن تطبيقاته ما يلي: 1- أتاحت المادة 50 من نظام القضاء جواز الاستغناء عن القضاة تحت التجربة حتى لو ثبت صلاحيتهم بشرط أن يكون قرار الاستغناء سابقا على صدور قرار التثبت. 2- المادة 51 أتاحت عزل الملازم القضائي دون أن تعلق ذلك على أي خطأ أو مخالفة تقع منه. 3- أتاحت المادة 51 إحالة القضاة إلى التقاعد بأمر ملكي بناء على قرار من مجلس القضاء الأعلى متى فقدوا الثقة والاعتبار وهو مصطلح مترهل يتيح ويسهل التوسع في عزل القضاة تحت دعوى فقدهم للثقة والاعتبار ويجب أن يقتصر عزل القضاة على المخالفات التي تقع منهم و يحالوا بشأنها للتحقيق ويصدر ضدهم جزاء تأديبي يتيح العزل. 4- المادة 55 تتيح التخلص من القضاة مؤقتا عن طريق إعارتهم أو ندبهم خارج السلك القضائي بأمر ملكي لمدة سنة قابلة للتجديد لسنه أخرى كما تتيح لوزير العدل ندب أعضاء السلك القضائي خارجه لمدة لا تتجاوز ثلاثة شهور في السنة ويمكن أن تتكرر في السنوات التالية. ومن ذلك العرض يتبين ضرورة تعديل هذه المواد بما يكفل تطبيق مبدأ عدم جواز عزل القضاة إلا عن طريق الجزاء التأديبي. ب – الإخلال بمبدأ عدم التدخل في شئون القضاة . يتيح النظام التدخل الإداري-الحكومي- في العديد من أعمال السلطة القضائية وهو ما ينال من استقلال القضاء ويمثل عدوانا على استقلال السلطة القضائية وحيث أننا لم نطلع على مشروع النظام المقترح كاملاً فإننا نسوق مشاهد من النظام الحالي (نظام القضاء) نعتقد أن فيها تعديات من قبل السلطة التنفيذية على السلطة القضائية ومن صور ذلك التدخل ما يلي : 1- اختيار الهيئة الدائمة بمجلس القضاء الأعلى تكون بأمر ملكي (م 6 نظام القضاء) 2- وزير العدل يحدد المسائل التي يرى ضرورة تقرير مبادئ شرعية لها ،حيث يقدم هذه المسائل لمجلس القضاء الأعلى لتقرير مبادئ بشأنها (م8) . 3- لوزير العدل أن يحرم الهيئة الدائمة لمجلس القضاء الأعلى من نظر المسائل المنصوص عليها في المادة 8 بالبنود (2، 3، 4، وأن يحيل نظرها إلى الهيئة العامة للمجلس (م 9). 5- قرارات الهيئة العامة لمحكمة التمييز لا تعتبر نهائية إلا بموافقة وزير العدل عليها، وإذا لم يوافق عليها يعاد القرار مرة أخرى للهيئة فإذا لم تسفر المداولة عن الوصول إلى قرار يوافق عليه وزير العدل يعرض الأمر على مجلس القضاء الأعلى للفصل فيه وعندئذ يعتبر القرار نهائيا. 7- المحاكم الجزئية يقترح مجلس القضاء الأعلى طريقة تأليفها وتعيين مقرها وتحديد اختصاصها والمنوط به إصدار قرار بذلك هو وزير العدل (م 24). 9- يتوقف عقد جلسات المحاكم العامة والجزئية في حالة الضرورة خارج مقرها على صدور قرار من وزير العدل بذلك(م 27) 10- الأعمال القضائية النظيرة تحدد عن طريق مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل (م 48). 11- يحال القضاة إلى التقاعد في حالة فقدان أيهما للثقة أو الاعتبار بناء على أمر ملكي يصدر بناء على قرار من مجلس القضاء الأعلى (م 51) 15- يجوز لوزير العدل في الأحوال الاستثنائية أن يندب أحد أعضاء السلك القضائي داخل السلك أو خارجه لمدة لا تزيد عن ثلاثة أشهر في العام (م 55 نظام القضاء) 16- الترخيص للقضاه بالإجازات في حدود أحكام نظام الموظفين العام يكون بقرار من وزير العدل (م 56 نظام القضاء). 18- تصدر قواعد وإجراءات التفتيش بقرار من وزير العدل بعد موافقة مجلس القضاء الأعلى (م 70 نظام القضاء) 19- لوزير العدل حق الإشراف على جميع المحاكم والقضاة (م 71 نظام القضاء) 21- عند تأديب القضاة إذا كان القاضي المعروض للمحاكمة بمجلس القضاء الأعلى يندب أحد قضاة محكمة التمييز ليحل محله ويصدر قرار الندب من وزير العدل (م 73 نظام القضاء) 22- الدعوى التأديبية لتأديب القضاة ترفع بطلب من وزير العدل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب مجلس القضاء الأعلى (م 74 نظام القضاء) 23- تبلغ قرارات مجلس التأديب بشأن القضاة إلى وزارة العدل ويصدر أمر ملكي بتنفيذ عقوبة الإحالة على التقاعد ،أما تنفيذ عقوبة اللوم فتكون بقرار من وزير العدل (م 84 نظام القضاء) 24- تتولى وزارة العدل الأشراف الإداري والمالي على المحاكم والدوائر القضائية (م 87 نظام القضاء) ومن ذلك يتضح أن التدخل الإداري للسلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية اشتمل على الأمور الإدارية والمالية والتنظيمية، وكذلك اشتمل على أمور تمس العمل القضائي وتمس رجال القضاء أنفسهم . – وجود لجان إدارية ذات اختصاص قضائي : نصت المادة (3) من مبادئ الأمم المتحدة على ( تكون للسلطة القضائية الولاية على جميع المسائل ذات الطابع القضائي كما تنفرد بسلطة البت فيما إذا كانت أية مسالة معروضة عليها للفصل فيها تدخل في نطاق اختصاصها حسب التعريف الوارد في القانون ) ومن السلبيات الجوهرية في النظام القضائي السعودي وجود ما يسمي باللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي والتي تمارس أعمالاً قضائية يصل الاختصاص في بعضها إلى حد منحها صلاحية إصدار أحكاماً سالبة للحرية دون أن يكون لها أياً من الضمانات الخاصة بالمؤسسة القضائية من حيث الاستقلال والحصانة ولازالت تلك اللجان بازدياد مطرد , ومن أمثلة هذه اللجان ( لجنة الأوراق التجارية و للجان الجمركية , و لجنة الأوراق المصرفية) . ومن الإيجابيات في مشروع نظام القضاء الجديد أنه نص على إنشاء محاكم عمالية وبالتالي أدخل اللجان العمالية القائمة تحت مظلة القضاء إلا أن المشروع المقترح لم يدخل بقية تلك اللجان تحت سقف المؤسسة القضائية وهو ما يؤثر على استقلال المؤسسة القضائية ويخالف بشكل أساسي حقاً من حقوق الإنسان وهو ( الحق في المثول أمام محكمة مختصة ومستقلة وحيادية ومنشأة بحكم القانون ) والذي يعد من المعايير الأساسية للمحاكمة العادلة . ثانياً : شروط تعيين القضاة أ- نص المشروع المقترح لنظام القضاء على جملة من الشروط الواجب توافرها فيمن يلي القضاء ومنها أن يكون حاصلا على شهادة إحدى كليات الشريعة بالمملكة أو شهادة أخرى معادلة لها، بشرط أن ينجح في الحالة الأخيرة في امتحان خاص يعده المجلس الأعلى للقضاء. وأننا نعيد التأكيد على ما سبق بيانه بشأن كليات الشريعة وعدم قدرتها على مواكبة التغيرات التشريعية والقضائية في المملكة العربية السعودية وكنا نأمل أن تنشأ كليات متخصصة في تخريج وإعداد وتأهيل القضاة ومن في حكمهم . كما أننا نعتقد أن النص على جواز تعيين من أمضى مدة معينة في تدريس الفقه وأصوله في السلك القضائي يخالف مبدأ تخصص القضاة حيث أن طبيعة العمل القضائي تختلف اختلافاً جذريا مع طبيعة العمل الأكاديمي إذ أن العمل القضائي يعتمد بشكل أساسي على مجموعة من الأنظمة واللوائح والنظريات القضائية التي تحكم سير المحاكمات من حيث الشكل والموضوع الأمر الذي لا يمكن لمن درس الفقه المجرد من التكيف مع الأجواء القضائية حيث أن لكل منها مجاله المختلف عن الآخر تأصيلاً وتأسيساً . ثالثاً : المحكمة العليا من المسائل المستحدثة في مشروع نظام القضاء استحداث المحكمة العليا والتي أنيط بها الجانب القضائي لمجلس القضاء الأعلى ومحكمة التمييز وأصبحت توازي ( محاكم النقض) في الأنظمة القضائية المقارنة إلا أن المشروع قد خلا من إيجاد محكمة دستورية عليا تختص بالنظر في مدى ملائمة التشريعات والأنظمة للوثائق الدستورية في المملكة والتي يأتي في سقفها قواعد الشريعة الإسلامية , حيث أن المشروع لم ينط بالمحكمة العليا اختصاص النظر في مدى شرعية ألأنظمة وسلامتها إذ نجد أن المشروع نص على أن المحكمة العليا تختص في : – مراجعة الأحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها محاكم الاستئناف، بالقتل أو القطع أو الرجم أو القصاص في النفس أو فيما دونها. – مراجعة الأحكام والقرارات التي تصدرها أو تؤيدها محاكم الاستئناف، المتعلقة بقضايا لم ترد في الفقرة السابقة أو بمسائل إنهائة ونحوها، وذلك دون أن تتناول وقائع القضايا، متى كان محل الاعتراض على الحكم ما يلي: • مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية وما يصدره ولي الأمر من أنظمة لا تتعارض معها…. الخ • صور الحكم من محكمة غير مشكلة تشكيلا سليما …… ومما تقدم يتضح أن المشرع وضع حالتين فقط تجيز الاعتراض على الحكم لدى المحكمة العليا منها (مخالفة الحكم لأحد الأنظمة الصادرة من الدولة – لا تتعارض مع الشريعة – ) وهنا سكت المشرع عن إيجاد حلول لحالة( الأنظمة التي تتعارض معها ) أي مع الشريعة فما هو الحل في حالة استناد الحكم القضائي على نظام أو لائحة أو قرار وزاري يخالف الشريعة أو يخالف نصاً في أحد الأنظمة الأساسية في الدولة ؟. وتكمن أهمية إيجاد مؤسسة قضائية عليا تختص فقط في النظر في مدى سلامة ألأنظمة والقوانين من حيث مطابقتها لأحكام الشريعة والأنظمة الأساسية حيث أن النظام الأساسي للحكم على سبيل المثال نص على جملة من الحقوق المكتسبة للمواطن منها على سبيل المثال : تحمى الدولة حقوق الإنسان وفق الشريعة الإسلامية . (م26) تكفل الدولة حق المواطن وأسرته في حالة الطوارئ والمرض والعجز والشيخوخة وتدعم نظام الضمان الاجتماعي وتشجيع المؤسسات والأفراد على الإسهام في الأعمال الخيرية . (م27) توفر الدولة الأمن لجميع مواطنيها والمقيمين على إقليمها ولا يجوز تقييد تصرفات أحد أو توقيفه أو حبسه إلا بموجب أحكام النظام . (م36) للمساكن حرمتها ولا يجوز دخولها بغير إذن صاحبها ولا تفتيشها إلا في الحالات التي يبينها النظام . (م37) المراسلات البرقية والبريدية والمخابرات الهاتفية وغيرها وسائل الاتصال مصونة ولا يجوز مصادرتها آو تأخيرها أو الاطلاع عليها أو الاستماع إليها إلا في الحالات التي يبينها النظام . (م40) فعلى فرضية إصدار قانون أو لائحة أو قرار وزاري يخالف تلك الحقوق أو يصادر بعضها أو يقيدها أو يعطلها فما هي السبل القانونية للاعتراض على شرعية مثل تلك الوثائق المخالفة لنصوص في النظام الأساسي للدولة والذي يعتبر بمثابة الدستور المكتوب وعليه فلا يجوز لأي نظام أقل درجة منه في الهرم التشريعي أن يخالف المبادئ الواردة فيه هذا من الناحية النظرية أما من الناحية العملية فإنه يفترض أن يمتنع القضاء عن تطبيق أي نص يخالف تلك المبادئ مهما كانت الجهة المصدرة له لأنه والحالة هذه يكون قد خالف مبدأ راسخاً من مبادئ المشروعية وهو مبدأ تدرج القاعدة القانونية . ولا يمكن – كما نعتقد – أن يوكل صلاحية النظر في شرعية الأنظمة والقوانين إلى المحكمة العليا حيث أن مشروع نظام القضاء نص على إيجاد محكمة عليا ونص مشروع نظام ديوان المظالم على إيجاد محكمة إدارية عليا وبالتالي فنحن أمام مؤسستين قضائيتين متوازيتين وعليه فلا يمكن أن تمارسا نفس الاختصاص وإنما لابد من إنشاء محكمة دستورية عليا تختص فقط في نظر مدى مشروعية النظم القانونية سواء من تلقاء نفسها أو من خلال الطعون الدستورية على الأنظمة التي ترفع من الخصوم أو المحاكم دون الخوض في وقائع القضايا. رابعاً : ضرورة إدخال هيئة التحقيق والادعاء العام تحت مظلة المؤسسة القضائية . هيئة التحقيق والادعاء العام تمثل ما يسمى بالنيابة العامة فهي ليست جهازاً تابعاً للسلطة التنفيذية إنما هي هيئة مستقلة وبحكم وظيفتها وما تمارسه من اختصاص قضائي في التحقيق الجنائي ومباشرة الدعوى العمومية تعتبر شعبة من شعب السلطة القضائية تنوب عن المجتمع وتتولى تمثيل مصالحه العامة وقد نصت المادة الأولى من نظام هيئة التحقيق والادعاء العام على : ( تنشأ بموجب هذا النظام هيئة تسمى هيئة التحقيق والادعاء العام ترتبط بوزير الداخلية ويكون لها ميزانية ضمن ميزانية الوزارة … ) ونصت المادة العاشرة من النظام نفسه على ( يعين رئيس الهيئة بالمرتبة الممتازة بأمر ملكي بناءً على ترشيح من وزير الداخلية ممن تتوفر فيه الشروط المطلوبة لشغل وظيفة نائب رئيس على الأقل ويتم شغل وظائف أعضاء الهيئة الأخرى ونقلهم إلى جهات أخرى بأمر ملكي بناءً على قرار من لجنة إدارة الهيئة وتوصية وزير الداخلية ) وهو ما يؤكد تبعية هيئة التحقيق والادعاء العام لوزارة الداخلية وهو الأمر الذي يخالف طبيعة عمل المدعي العام التي لها علاقة مباشرة بالقضاء ولابد أن ينضوي تحت مؤسساته وهو الأمر الذي أغفله مشروع القضاء المقترح فلم يدخل أعضاء هيئة التحقيق والادعاء العام تحت السلطة القضائية ويفرد لهم أحكاماً خاصة تتعلق بطبيعة ممارستهم لأعمالهم وضمانات استقلالهم عن السلطة التشريعية والتنفيذية . كما أن الهدف من إنشاء الهيئة إنما هو الفصل بين جهة القبض والتحقيق وعليه فإن تبعية أعضاء الهيئة لوزارة الداخلية لا تحقق هذا الهدف إذ أن الوزارة هي المشرفة على الجهات المخولة بالقبض وبالتالي لا يتحقق الفصل المتوخى من النظام . كما أنه لابد من أن يحظى أعضاء الهيئة بالضمانات الأساسية لاستقلالهم ومن أهمها عدم قابليتهم للعزل إلا بالطرق التأديبية وأن يكون تأديب أعضاء الهيئة أمام ذات المجلس الذي يفصل في تأديب القضاة بنفس الضمانات المنصوص عليها لأعضاء السلطة القضائية حتى يمارس المحقق والمدعي العام وظيفته بكل حيدة واستقلال باعتبارهم شعبة من السلطة القضائية تضطلع بمهام قضائية في مجال الدعوى الجنائية وتساهم في إقرار و إرساء العدالة . خامساً : ترقية القضاة وتأديبهم . 1. ورد النص بتقسيم تقدير كفاية القاضي إلى كفء – فوق المتوسط – متوسط – أقل من المتوسط . وذلك من خلال التقييم الذي يجريه التفتيش القضائي وقد ورد النص في مادة أخرى على إنهاء خدماته إذا حصل على تقدير أقل من المتوسط ثلاث مرات متتالية .وهذا النص يشوبه القصور التالي : لم يحدد المعيار الذي يتم بناء عليه تحديد التقدير ( ونرى أن يكون ذلك من خلال تحديد عدد القضايا الذي نُقِضَ الحكم فيها ) أو البطء في الفصل في الدعاوي . عدد المرات المتتالية (ثلاث) كثير بالنظر إلى طبيعة المهام التي يقوم بها . ينبغي وضع معيار آخر بحيث يشتمل على عدد نهائي لتقدير أقل من متوسط يتم انهاء خدمته متى تحقق دون اشتراط التوالي . لم يحدد النص الإجراء اللازم بشأن التقدير المتوسط و للإحاطة فإن تقدير المتوسط يعد أيضا غير مناسب لصلاحية القاضي للاستمرار في العمل 2. تم النص على جزائي اللوم و العزل فقط و الأولى أن يكون هناك تدرج في الجزاء تبعا لحجم المخالفة أو الجرم, 3. تم النص على أن الحكم في الدعوى التأديبية غير قابل للطعن ويشوب هذا النص ما يلي : حرمان القاضي من درجة من درجات التقاضي . لم يرد النص على جواز رد قضاة دائرة التأديب أو تنحيهم حسب الأحوال المنصوص عليها بالنسبة للمتقاضين في القضايا العادية أمام المحاكم . 4-ورد النص على وقف القاضي عن عمله أثناء التحقيق و المحاكمة ويشوب هذا النص ما يلي : لم يوضح النص ما يتعلق بعدم المساس بمزاياه المالية . لم يوضح النص مدة محددة لإنهاء الوقف عن العمل , لم يوضح المدة التي يلزم خلالها إنهاء التحقيق و المحاكمة . 5- ورد النص على أنه يجب عند القبض على عضو السلك القضائي و توقيفه – في حالة تلبسه بجريمة – أن يرفع أمره للمجلس الأعلى للقضاء خلال أربع و عشرين ساعة من القبض عليه …. و تنفذ العقوبات المقيدة لحريتهم في أماكن مستقلة . و هذا النص يشوبه ما يلي : في حالة توافر حالة التلبس فيجب أن يفقد القاضي حصانته منعا للازدواجية في نظام الإجراءات الجزائية لا سيما إذا كان هناك شركاء في الجريمة . لم يحدد النص ( المقصود بالأماكن المستقلة ). نظرة على مشروع نظام ديوان المظالم ينطبق ما أوردناه سلفا بشأن القضاة في مشروع نظام القضاء على القضاة في ديوان المظالم من حيث الاستقلال و الحصانة وكل ما له علاقة بالمبادئ العامة التي تحكم المؤسسات القضائية . ومن أهم الملاحظات الجوهرية لمشروع نظام ديوان المظالم أنه اعتمد فكرة أعمال السيادة في الوقت الذي كنا نأمل أن يتخلص النظام منها ولا سيما وأنها أصبحت من المبادئ المهجورة التي لا تتفق وأطروحات الانفتاح السياسي والحقوقي بل تعد مناقضة تماماً لفكرة سيادة القانون وسنطرح من خلال المفردات التالية مفهوما للمبدأ ومدى مخالفته للمبادئ الحقوقية . مسمى أعمال السيادة . أعاد مشروع نظام ديوان المظالم النص على تحصين بعض القرارات الحكومية تحت ذريعة ( أعمال السيادة) بحيث لا يجوز لديوان المظالم النظر فيها مهما كانت تلك القرارات والأعمال مخالفة أو مشوبة بعيب من عيوب القرار الإداري ومن المعلوم أن فكرة (أعمال السيادة ) كانت قد نشأت في فرنسا في القرن الماضي ويقصد بها : الأعمال التي تصدر عن السلطة التنفيذية وتقوم اعتبارات خاصة تحول دون خضوعها لرقابة القضاء مهما كانت تلك الأعمال مخالفة للقانون وكان مجلس الدولة الفرنسي ( المحكمة الإدارية الفرنسية ) يهدف من ورائها إلى عدم اصطدامه بنظام الحكم في فرنسا في ذلك الوقت وضمان بقائه ثم قام بتحجيم تلك الفكرة إلى أقصى حد حتى أصبحت تطبق في إطار أعمال محددة سلفاً بالقانون , ثم قام النظام المشرع المصري بنقلها وترسيخها في التشريعات المصرية قبل أن تحكم المحكمة الدستورية العليا بمخالفة أعمال السيادة للدستور وبالتالي ألغت تلك المادة من القانون المصري، إلا أن هذا لم يمنع من استيرادها بحذافيرها إلى نظام ديوان المظالم حيث نصت المادة التاسعة على : ( لا يجوز لديوان المظالم النظر في الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة ) وقد أعيد تكرارها في النظام المقترح محل هذه الدراسة دون أية دراسة أو تمحيص لتلك النظرية من الناحية الشرعية أو مدى ملاءمتها لبيئتنا التشريعية حيث أن الشريعة الإسلامية تعد السقف الأعلى التي لا يجوز لأي نظام مخالفته وإلا لأصبح ذلك النظام غير دستوري لمخالفته لنص أعلى منه مرتبة في الترتيب التنظيمي وفق مبدأ ( تسلسل القاعدة القانونية ) وعليه فإن نظرية أعمال السيادة تخالف المبادئ الأساسية في الشريعة الإسلامية حيث أنها تنص على تحصين أعمال وقرارات الحكومة ضد خضوعها تحت مظلة الشريعة التي هي الحاكمة والمهيمنة على المجتمع والدولة، فلا يجوز لأحد مهما بلغت درجته أن يحول بين الناس وبين القضاء أو يمنع أحداً من الوصول إليه وإيصال مظلمته والجهر بها حيث أن المحاكم في العصور الإسلامية قد وسعت الحكام والمحكومين دون أن يعرفوا تمييزاً في المظالم أو أن يسبغوا الحصانة على الأفراد مهما كانت صفتهم ومنزلتهم . إن نظرية أعمال السيادة تعد خروجاً على مبدأ المشروعية الذي على أساسه أوجد القضاء الإداري ليكون ملاذاً للإنسان المغلوب على أمره لمقاضاة الجهات الحكومية التي قد تسطو على حق من حقوقه أو تعدو على شيء من مكتسباته و تتترس بأعمال السيادة التي من خلالها تحصن قراراتها من الإلغاء والمراقبة القضائية عليها ولنا أن نتصور خطورة هذا المبدأ على المشروعية عندما نعلم أن ديوان المظام قد أعمل تلك النظرية في مواضع متعددة تتعلق بشكل مباشر بحق أصيل من حقوق الإنسان حيث أعتبر أن فصل الموظف للمصلحة العامة (إجراء ً إدارياً شرع لاعتبارات المصلحة العامة وحدها بغض النظر عما يترتب عليه من آثار فردية لا تكون موضع لاعتبارات عند إصداره ) [ قرار هيئة التدقيق مجتمعة رقم 1/د/ م لعام 1407هـ ] وبالتالي أعتبر الديوان هذا النوع من طي القيد للمصلحة العامة من أعمال السيادة التي لا يجوز للديوان النظر فيه وفحص مدى مشروعية أسبابه . كما نذكر في هذا السياق أن ديوان المظالم – وبناءً على نظرية أعمال السيادة – قرر عدم النظر في قرار صادر من وزارة الداخلية بمنع المحامي / عبد الرحمن اللاحم من السفر واعتبر ذلك من أعمال السيادة . إنه وإن كان هناك مبررات تاريخية لتمسك بعض الأنظمة القضائية بهذه النظرية في وقت سابق خوفاً من تعطل أعمال الحكومة من خلال إقامة دعاوى ضد بعض سياسيات الحكومة ( مثل علاقاتها الخارجية وإعلان حالة الحرب والسلم ) حيث أن تلك الأنظمة القضائية تتساهل في شرط الصفة كشرط من شروط إقامة الدعوى مما يجيز للأفراد العاديين من تحريك دعاوى قضائية في قضايا سيادية إلا أن تلك المخاوف غير مبررة إطلاقاً في النظام السعودي ذلك ان النظام في السعودية يشترط في قبول الدعوى أن يكون للمدعي صفة قانونية تخوله رفعها وأن تكون له مصلحة مباشرة في إقامة الدعوى وعليه فلا يوجد في النـظام السعودي مما يمكن اعتباره ( دعوى حسبة) يمكن ان يتسلل من خلالها البعض للطعن في بعض أعمال الحكومة السيادية، وعليه فلا يوجد أي مبرر قانوني أو واقعي لمثل هذا النص وعلى وجه الخصوص وأن معظم دول العالم قد تخلت عن تلك النظرية البائدة التي أصبحت من مخلفات التاريخ، وفي ظل الحديث المتكرر عن الرغبة الجادة في إصلاح القضاء وترسيخ سيادة القانون وحماية حقوق الإنسان ولا سيما وأن المملكة العربية السعودية تشغل أحد مقاعد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مما يستوجب أن تعكس أنظمتها التزامها بالقيم الأساسية لحقوق الإنسان والتي من أهمها حق الإنسان في اللجوء إلى القضاء حيث أن تلك النظرية تستبيح ذلك الحق بشكل مطلق ونذكر في هذا السياق بالمادة (10) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والتي نصت على : ( لكل إنسان على قدم المساواة التامة مع الآخرين الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة نظراً منصفاً وعلنياً للفصل في حقوقه والتزاماته وفي أية تهمة جزائية توجه إليه ) . خاتـــــمة أننا ونحن نعرض هذه الورقة التي تتناول ما نعتقد أنه من الأنظمة المفصلية في الحركة التشريعية السعودية لنأمل أن ينال هذان النظامان حقهما الكامل في المناقشة والتمحيص وفق المعايير والأسس الحقوقية والتشريعية ذلك لأن النظامين سيحددان بوصلة الإصلاح القضائي كما أنهما سيمثلان الأرضية التشريعية لأي تحرك نحو التحديث والإصلاح في مرفق القضاء كما أننا نؤكد على أن أي انفتاح إيجابي على ثقافة ومبادئ حقوق الإنسان لابد أن يسبق بإصلاح جدي وجوهري للمؤسسات القضائية حيث أنها تعتبر الضمانة لتلك المكتسبات الحقوقية ولا يمكن ترسيخها إلا من خلال قضاء حر مستقل ونزيه .