المصدر : صحيفة الشرق
وُلد في العراق وتنقَّل بين بيروت ودمشق وأسَّس أول صحيفة في المنطقة الشرقية
الدمام – بيان آل دخيل
فقد الوطن مساء أول من أمس أحد رواد الصحافة في المنطقة الشرقية، وإحدى أهم الشخصيات الوطنية البارزة، عبدالعزيز بن عبدالرحمن السنيد، عن عمر ناهز تسعين عاماً.
يقول الكاتب نجيب الخنيزي عن السنيد في كلمة ألقاها في حفل تكريم الراحل قبل عامين في الرياض «لقد عانى السنيد (هو ورفاقه، والوطنيون عموماً) ما عانى شظف العيش، وحياة اللجوء التي استمرت قرابة خمسة عشرعاماً، وظل يتواصل إثر عودته مع الأجيال الجديدة التي دخلت المعترك والنشاط الوطني العام، ومتفاعلاً مع قضايا الوطن والمجتمع. وبالتأكيد كان بإمكانه أن يعيش عيشة هانئة وطبيعية بالمقاييس والشروط السائدة.
ويرى المستشار القانوني محمد سعيد طيب أن السنيد كان مناضلاً نبيلاً، حيث تتعدد صفات المناضلين، ومنهم الشرسون على سبيل المثال. مضيفاً «ما عرفته عنه أنه صبر على «أمر الليالي، وأمر الأيام»، لكن لم تفارقه ابتسامته حتى اللحظة الأخيرة، وكان حريصاً في السؤال عن زملائه حتى مع تقدمه في العمر، وعدم انتظام أحواله الصحية».
ويؤكد طيب أن العلامة الفارقة في تاريخ السنيد إن أردنا أن نبحث عنها هي انحيازه الدائم للكادحين والعمال، موضحاً «بمعنى أنه لم ينتمِ للطبقة المخملية، بل كان مع البسطاء دائماً».
أما رفيق دربه محمد قرطاس، فتحدث عن الصداقة التي تربطه بالراحل «هو شخص وطني ونزيه، ويعزه الجميع، والناس في جميع توجهاتهم يحترمونه، وهو بعيد كل البعد عن التطرف، مع أي جهة، وتعامله رائع مع الجميع، وهو إنسان متواضع، ويعجز اللسان عن إطراء هذا الإنسان الرائع بما يستحق».
ويؤكد قرطاس أن السنيد كان وفياً في علاقاته، وصادقاً وأميناً ومحبوباً من قبل كل الأدباء والشعراء والوطنيين، في الداخل والخارج، فقد أحبه محمد مهدي الجواهري لأن السنيد كان يزوره في دمشق متقدماً له بمقاطع من قصائده، وكان على علاقة جميلة مع الروائي عبدالرحمن منيف وعبدالله الطريقي، وآخرين لا يستحضرنا المقام في ذكرهم.
وعن تجربة الشام، أفاد «كان إنساناً نشيطاً، ولم يكن لنشاطه حدود، فهو يتحرك مع جميع الناس».
ويوضح قرطاس محبة الناس لـ «أبو نبيل»، ويؤكد تواضعه، فما إن يسمع عن مرض أحدهم حتى يزوره، أو يهاتفه، للاطمئنان عليه.
وتفاجأ إسحق الشيخ يعقوب بنبأ الوفاة، وأبدى حزنه على هذا الرحيل، مؤكداً «ها هي قامة من قامات عقيدتنا الوطنية الحقة، التي بذرت بذور الوطنية الحقة فينا، وعلى أرض الوطن، تترجل وترحل عنا إلى الأبد». وأضاف «إنها الحياة، زرعوا وأكلنا فكراً وطنياً طيباً، ونحاول أن نزرع على أثرهم فكراً وطنياً طيباً ليأكلوا».
ويرى الشيخ يعقوب أن رحيل السنيد كان امتداداً لرحيل زملاء دربه في العمل الوطني والنشاط الأدبي الفكري (عبد العزيز المعمر، وسيد علي العوامي، وعبد الله هاشم، وناصر السعيد، وعلي العبدلي، وصالح الزيد، ويوسف الشيخ)، وغيرهم من رواد الحركة الفكرية والأدبية والأنشطة الاجتماعية والسياسية الذين تنابتوا على أرض الوطن كالفطر منذ الخمسينيات.
ويرجع الشيخ يعقوب الفضل للسنيد بالدرجة الأولى منذ الخمسينيات في بذر البذور الوطنية والفكرية «وكان يشكل آنذاك عن حق روح الموهبة الوطنية الكفاحية التي كان لها آنذاك تأثير جهادي مرموق بين أبناء المنطقة الشرقية، وقد لعب دوراً مهنياً متفانياً في خدمة مصلحة العمل والعمال».
السنيد في سطور
- أنجبت كميلة آل بوعايشة ابنها الأول عبدالعزيز عام 1344هـ 1922م، في قضاء سوق الشيوخ بمحافظة الناصرية في العراق، لظروف والده التي اضطرته للهجرة من نجد إلى «سوق الشيوخ» في العراق، مروراً بالكويت، من أجل طلب الرزق في الفترة التي كانت نجد من أفقر المناطق في الجزيرة العربية.
- درس السنيد الابتدائية في العراق، وأكمل المتوسطة والثانوية في دمشق أثناء فترة إقامته فيها، وكان قد جاوز الأربعين من عمره، وارتاد الجامعة ملتحقاً بكلية الحقوق، لكنه لم يكمل دراسته لظروف خاصة.
- عمل السنيد في بداية حياته بدائرة التعلم في شركة أرامكو السعودية، وأسَّس اللجنة العمالية عام 1953م.
- قام مع رفيق دربه المرحوم يوسف الشيخ يعقوب بإصدار صحيفة «الشباب» 1372هـ 1952م، بموافقة رسمية في عهد الملك عبدالعزيز، وطلب الملك منه أن يغير مسماها إلى «الجزيرة»، وكانت تطبع في البحرين، وتوزع في شرق المملكة، إضافة إلى «إذاعة صوت الجزيرة العربية»، التي كانت تصدر من دمشق والقاهرة في الوقت نفسه.
- انتخب السنيد عضواً في أول مجلس بلدي بالدمام، وكان مولعاً بالسياسة والحقوق العمالية، وكان لذلك أثر كبير في سير مجريات حياته، حتى اضطر لمغادرة بلده عام 1953، والعيش في المنفى لسنوات طويلة، تنقل أثناءها بين بغداد وبيروت ودمشق، واستقر في الأخيرة عام 1957، ليعود إلى المملكة إثر إعلان العفو الملكي العام عن المعتقلين والمنفيين السياسيين عام 1975م.
- ساهم السنيد بشكل مباشر في تأسيس وقيادة جبهة الإصلاح الوطني عام 1954م، التي تحولت إلى جبهة التحرر الوطني عام 1958م، والتي أسهمت بدور مهم مع بقية الاتجاهات السياسية من أجل القضايا الوطنية والقومية آنذاك، كالمطالبة بإطلاق الحريات العامة (الصحافة والكتابة والنشر والتفكير وإقامة الاتحادات العمالية والمهنية والمنظمات السياسية والاجتماعية المستقلة).