بقلم / محمد قنديل
____________
من أمتع ماقرأت عن حكايات الصالونات الأدبية والثقافية وكواليسها ، كتاب ” أمسيات الثلوثية ، المثقفون وحكاياتهم ” للمثقف والكاتب السعودى د. عبدالله مناع يرحمه الله.
الكتاب من القطع المتوسط ويستعرض عبر صفحاته البالغة ٢٣٦ صفحة نشأة الثلوثية ومسيرتها وحكاياتها وطرائفها على مدى نصف قرن من الزمان.
بدأت أمسيات الثلوثية مع النصف الثانى من سبعينيات القرن الماضى وبالتحديد فى أواخر عام ١٩٧٤ فى حى الشرفية بمدينة جدة على يد المثقف والمفكر والناشط الحقوقى المستشار محمد سعيد طيب لتكون بمثابة برلمان للمثقفين يضم نخبة من رموز الأدب والفكر والصحافة إلى جانب نخبة من رجال الأعمال الذين يشغل الوطن وهمومه وقضاياه مساحة من تفكيرهم وقلقهم على حاضره ومستقبله.
كانت أحاديث الثلوثية وماتزال تتناول أحداث الساعة ومايدور فيها من أخبار سياسية واقتصادية واجتماعية إلى جانب التعليق على أهم ماتنشره الصحف من تحقيقات ومقابلات صحفية ومقالات لكبار كتاب العالم العربى لتكون أشبه بمنتدى عام للحوار والنقاش وتبادل الرأى حول قضايا المجتمع العربى السعودى والمجتمع العربى بصفة عامة .
وبعد خمس سنوات انتقلت الثلوثية إلى شارع الصحافة حيث منزل صاحبها المستشار محمد سعيد طيب الذى خصص الطابق الأرضى من منزله بكامل خدماته لرواد الثلوثية فتوسع المكان وتعددت إمكانياته مماأدى إلى زيادة الحضور من داخل جدة وخارجها بل ومن خارج المملكة أيضا إلى جانب حضور متميز لعدد من المسئولين من الأمراء والوزراء وكبار الشخصيات حتى أصبح صالون ثلوثية الصحافة أكبر وأشهر الصالونات الأدبية والثقافية فى المملكة حيث توسع وأصبح يضم أعدادا من المثقفين العرب من مصر وسوريا ولبنان والمغرب والسودان من أمثال الداعية الشيخ محمد متولى الشعراوى ود. مصطفى محمود وأستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة د. زكى نجيب محمود والشاعران اليمنيان عبدالله البردونى ود. عبد العزيز المقالح والشاعر السورى عمر أبو ريشة والفنان دريد لحام علاوة على مشاهير الصحافة والفن والشعر والأدب .
وشهدت الثلوثية الكثير من الحوارات الجادة والاستضافات الهامة للعديد من الوزراء والمسؤولين وفى مقدمتهم الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثانى لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع بناء على طلبه حيث أعطت زيارته الضوء الأخضر للثلوثية لمزيد من حرية الحوار والحضور فاستقبلت الشيخ جميل الحجيلان المثقف وصاحب كتاب ” الثورة والدولة ” ووزير الإعلام الأسبق وعميد السلك الدبلوماسى فى باريس ود. فايز بدر ليتحدث عن إنجازاته فى الموانئ والشيخ محمد أبا الخيل وزير المالية الأسبق ود. سليمان السليم صاحب برنامج الاتجاهات الأربعة ود. ناصر السلوم وزير المواصلات الأسبق والشيخ محمد الفايز وزير الخدمة المدنية الذى اعتبر الثلوثية بمثابة منصة لقياس الرأى العام من الشريحة المتميزة من حضورها من الأدباء والشعراء والاعلاميين ورجال الأعمال للتعرف على مستوى أداء وزارته.
وهكذا أصبحت الثلوثية منصة للتنوير والتواصل والنقاش فيما يخص الشأن العام والمطالب الإصلاحية التى يتحدث عنها كثير من المثقفين والتى تحققت بالفعل مثل تأسيس مجلس الشورى ونظام المناطق والنظام الأساسى للحكم وغيرها من الإصلاحات التى شهدها المجتمع السعودى فيما بعد.
إلى جانب ذلك يستعرض الكتاب حكايات كثيرة للمثقفين فى ثلوثية الصحافةوهى حكايات كثيرة لاحصر لها كشفت عن جوانب شخصية للعديد من حضور الثلوثية تتميز بالسخرية والتعليقات اللاذعة والمواقف الطريفة والضاحكة .
كما ساهمت الثلوثية فى إصلاح ذات البين والخلافات الشديدة بين المثقفين بعد خصومات طويلة وفى مقدمتها المصالحة بين د. ربيع صادق دحلان وكيل إمارة منطقة مكة المكرمة ود. محمد سعيد فارسى أمين مدينة جدة وذلك فى جلسة محبة وود وإنهاء للخلافات فى وجهات النظر إلى غير رجعة .
وكان أيضا للنساء حضورهن فى الثلوثية وإن كان حضورا خافتا جدا ونادرا بمشاركة د. فائقة بدر أم الشيماء زوجة مؤسس الثلوثية المستشار محمد سعيد طيب.
“أمسيات الثلوثية ” قراءة رائعة فعلا ترصد بقلم رشيق أحداث فترة مهمة من فترات المجتمع السعودى ومسيرته الأدبية والثقافية والفكرية والعامة التى استعرضتها حكايات مثقفى الثلوثية التى ستظل علامة بارزة فى حياة المجتمع والوطن لتذكرنا بأشهر صوالين القاهرة الأدبية مثل صالون مى زيادة الأدبى فى أربعينيات القرن الماضى وصالون العقاد فى أواخر خمسينياته واوائل ستينياته .
ومايزال صالون الثلوثية ينبض حتى الآن بمناقشاته الثرية وآراء نخبته المثقفة بأفكارهم الثاقبة حول قضايا الوطن والشأن العام التى تعبر عن رؤية ٢٠٣٠ واستراتيجية المملكة نحو التقدم والازدهار.

